عرفت النائب البرلماني الفذ البدري فرغلي وقت أن كنت مندوبا لجريدة العربي في مجلسي الشعب والشوري لسنوات بدأت عام 1994 ..كان نجما برلمانيا من خلال استجواباته الشهيرة التي تميز فيها بحس سياسي وشعبي فريد، كنا كصحفيين ننتظره بشوق ولهفة وقت استجواباته، لأنها توفر لنا مادة صحفية خصبة، كما أنها تنفس عنا في هجومه علي الحكومة، والأهم أنها تسعدنا لخفة دمه أثناء عرضها، وكثيرا ما كنا نشاهد الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس يداري وجهه من الضحك خلالها.
لا أنسي في أحد الاستجوابات وكانت عن إهمال الحكومة لمدينته بورسعيد كمنطقة تجارة حرة، أن كمال الشاذلي وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشوري رد عليه بطريقته الإنشائية، وفي تعقيب البدري عليه قال:"هي الحكومة بعت وزير بلا حقيبة يرد علي، لاعنده معلومة ولاغيره"، فضحك كثير من النواب لكنهم أخفوا ضحكاتهم خوفا من الشاذلي الذي بدا مغتاظا ، وكان الصديق حازم منير مندوبا عن"الأهالي"ويجلس بجواري في شرفة
الصحافة، فاتفقنا أن نسرع بعد انتهاء الجلسة إلي البدري لنعرف رد فعل الشاذلي نحوه.
ذهبنا إليه بالفعل، وبعد دقائق فوجئنا بقدوم الشاذلي ناحيته، قائلا وهو يضغط علي حروفه :"بقي أنا يابدري وزير بلا حقيبة؟"، وبخفة دم وسرعة بديهة رد البدري :"متزعلش ياسيادة الوزير، أنا والنية لله هجيب لك أحسن حقيبة من بورسعيد المرة اللي جيه"..اضطر الشاذلي إلي مجاراته ضاحكا:" إياك يابدري متجيبهاش، ياويلك".
أذكر أنه وأمام كثرة استجواباته، انتقده البعض بأن الاستسهال يغلب عليها، ولهذا لاتؤثر في موقف الحكومة أمام النواب، وتوالت الانتقادات عليه حتي أنني ظننته سيتاثر ، فسألته في جلسة معه في بهو المجلس عن ذلك، فرد: "تفتكر يعني أنا أوغيري من النواب هيقدر يقيل الحكومة من أي استجواب مهما كانت قوته، دي حكومات جلدها ،ونواب حزبها"الوطني" جلدهم تخين ، ولأني عارف وفاهم ده عيني بتبقي علي الناس، هدفي إن الناس تسمعني ، وبلاقيها فرصة أفضح فيها سياسات الحكومة".(كانت الجلسات تذاع تسجيلا)
وبالفعل كان بعيد النظر في هذا الأمر، أذكر مرة كنت خارجا معه من المجلس من البوابة المواجهة لمجمع التحرير، وتصادف أن السيارات كانت متوقفة بسبب إشارة المرور، ورأيت بنفسي ناس تناديه من سياراتهم:" أستاذ بدري"، بعضهم يدعو له، وبعضهم يشير بأصابعه إعجابا، وهو يرد بمحبة.. بدا وقتها أمامي مثل نجوم السينما.
بعد مجلس الشعب بقي كما هو مناضلا صلبا يعيش لبسطاء الناس الذي أخلص لهم طوال عمره، وكانت معركته من أجل رفع المعاشات نموذجا علي ذلك ..رحمه الله وغفر له.