نكتة "السيستم" نكتة قديمة وبايخة لكننى عادة ما أستدعيها عندما تصدمنى الممارسات الفاسدة والبيروقراطية العقيمة لبعض أجهزة ومؤسسات الدولة؛ والتى ترتكز دائما على فلسفة تستيف الأوراق.. والحفظ لا الفهم..!
والنكتة من باب التذكرة لا أكثر تقول أن رجلا دخل مولا عملاقا فطلب من البائع فى الطابق الأول قميصا مقلما بالطول.. فقال له البائع بكل أدب: آسف يا فندم القمصان اللى عندى مقلمة بالعرض.. لكن حضرتك ستجد طلبك فى الطابق الثانى.
ولم يكذب الرجل خبرا فصعد للطابق الثانى وسأل البائع عن طلبه فقال له بكل أدب آسف يا فندم أنا عندى قمصان سادة فقط؛ لكن طلبك ستجده فى الطابق الثالث، فصعد الرجل ليفاجأ بأنه لا يوجد فى ذلك الطابق إلا القمصان الكاروهات فقط؛ فأحالوه للطابق الرابع.. وظل الرجل ينتقل من طابق الى آخر من طوابق المول دون أن يجد طلبه.. وأخيرا وجد نفسه فى الطابق الأخير؛ حيث كان فى استقباله شخص فى منتهى الشياكة يمد يده له بالسلام وهو يبتسم ابتسامة عريضة قائلا: آسف يا فندم.. شركتنا لا تبيع القمصان المقلمة بالطول، لكن إيه رأى حضرتك فى السيستم بتاعنا..؟!!
هذه هى نهاية نكتة السيستم البايخة اللى كلنا عارفينها؛ لكن يبدو أن البعض يصرون على تكرارها علينا كل يوم بل كل ساعة فى كل مكان من مصر المحروسة.
فمنذ يومين فوجئت بالصديق هشام توفيق، وهو أحد خبراء سوق المال المعدودين، وكان يرأس حتى وقت قريب شركة من أكبر شركات الوساطة المالية فى السوق، ينشر على الفيس بوك ما يشبه البلاغ لمن يهمه الأمر حيث قال، بالنص، أن هناك شركة مالية إقليمية "شاطرة" أو بتتشطر، أسست صندوقا متخصصا للقطاع الصحى قامت فى البداية بالاستحواذ على مستشفى مصرى فى منتصف 2014، ثم استحوذت عن طريق المستشفى الأول على 3 مستشفيات أخرى فى أقل من عامين بتمويل من بنك مصرى، بعد أن قامت برهن كامل الأسهم المملوكة لها فى المستشفى الأول للبنك كضمان للتمويل، بالإضافة لأسهمها فى المستشفيات الثلاث، وكان نصيب السهم الواحد من الأرباح المجمعة للمستشفيات الأربع لعامى 2014 و2015 هو 27 قرشا و43 قرشا على التوالى.
والشركة "الشاطرة" تطرح اليوم سهمها للاكتتاب بتقييم 12.16 جنيه للسهم؛ أى بمضاعف ربحية 28 مرة وهو أكثر من ضعف مضاعف الربحية فى السوق؛ على الرغم من عدم وجود خبرة للشركة الشاطرة فى مجال إدارة المستشفيات، ووجود قصور فى تراخيص المستشفيات المستحوذ عليها، كما هو منصوص عليه فى نشرة الطرح نفسها..!!
انزعجت جدا من هذا الكلام فاتصلت بصديقى هشام توفيق وسألته: وأين هيئة الرقابة المالية التى تراقب السوق مما يحدث وأين مباحث الأموال، وأين باقى الأجهزة الرقابية..؟
فرد على قائلا: هيئة الرقابة المالية غير مسئولة عن التقييم وإنما عن الإفصاح.. وقد جاءت النشرة متضمنة كافة التفاصيل.. يعنى الأوراق متستفة و"السيستم" اللى ماشية عليه هيئة الرقابة المالية بيقول إن هذه الشركة زى الفل وعال العال، وأن على المستثمرين الضحايا أن "يشربوا" أسهمها المبالغ فى قيمتها، التى تتضمن كارثة بكل المقاييس، بس المهم يسموا الله قبل أن يشربوا بالهنا والشفا..!!
واقعة أخرى كنت أنا شخصيا شاهدا عليها.. فقد أعلنت شركة الاتصالات عن عروض لخطوط أرضية مجانية فى بداية شهر مايو الحالى فاتصل بها أحد العملاء أمامى فردت عليه الموظفة المسئولة بعد طول انتظار قائلة: أوامرك..؟ قال لها عايز خط .. فردت بأسى: آسفة يا فندم السيستم واقع.. ياريت تتصل فى وقت تانى.. بس ممكن أعرف رأى حضرتك فى مستوى الخدمة اللى قدمناها لك..؟!!
رد عليها بانزعاج: خدمة إيه..؟ أنا لم أحصل على أى خدمة..!
ولأنها حافظة مش فاهمة فقد كررت السؤال: يعنى إيه رأيك فى مستوى الخدمة..؟!
ولن أقل لكم عن رد فعل الرجل لأنه بالضبط هو نفس رد فعل الزبون إياه ضحية نكتة السيستم..!
ولإن الحكايات التى على شاكلة نكتة السيستم البايخة لا تنتهى فسوف أكتفى بحكاية واحدة أخيرة كنت أنا شاهدا عليها أيضا، ولدى كل أسماء أبطالها؛ الذين عادة ما يخيرونك بين تطبيق السيستم أو أن تعزمهم على "كوباية شاى بالياسمين"..!
فقد تقدم صاحب فيلا بإحدى المدن الجديدة لجهاز المدينة بطلب لإدخال المرافق من مياه وكهرباء لفيلته.. فوضعوا أمامه قائمة طويلة عريضة من طلبات لا تنتهى يكاد يكون تنفيذها مستحيلا.. فلما أبدى الرجل انزعاجه قالوا له هناك مكاتب يمكن أن تتولى عنك إنجاز المهمة، ودلوه على سيدة أبدت استعدادها لإنجاز المهمة فى أيام معدودات بشرط أن يدفع فاتورة الشاى أبو ياسمين الذى ستقدمه لمهندسى الجهاز.. ورفض الرجل وأصر على أن ينجز المهمة بنفسه كأى مواطن شريف.. ومن هنا بدأت رحلة "دوخينى ياليمونة" داخل مكاتب مهندسى الجهاز؛ الذين عاينوا الفيلا مرة واتنين وتلاتة حتى وصل بهم الأمر إلى إجباره على هدم جزء من الفيلا وإعادة بنائه مرة أخرى متحججين بالقانون والسيستم حتى اضطر الرجل فى النهاية الى دفع فاتورة الشاى أبو ياسمين صاغرا.. وأنقذ فيلته من براثن " كهنة السيستم".. قاتلهم الله..!
هذا مجرد غيض من فيض "السيستم" الذى يحكمنا ويتحكم فينا ويتخذه الفاسدون واللصوص والأفاقين حجة ليبتزوا بها المواطنين خاصة الغلابة منهم.. واللى يحرق الدم إنهم لا يستحون بل يصرون على أن يسألونك وبراءة الأطفال فى عينيهم، بعد أن يقبضوا المعلوم، عن رأى حضرتك فى السيستم..؟!