دعونا نفكر بالعقل فى فضيحة صحيفة الجارديان الإنجليزية العريقة، ونطرح أسئلة عديدة على هامشها، ونحاول الإجابة عنها، وأولها: كيف أصبحت الجارديان بتاريخها العريض فى موقف الثورة المضادة وانحازت ضد ثورة يونيو، وضحت بسمعتها التاريخية فى مهنة الصحافة؟ هل ما فعله مراسلها فى القاهرة مسؤولية فردية أم مسؤولية مشتركة تتحملها الصحيفة ذاتها؟ ثم هل هناك مسؤولية أخرى غير ظاهرة على السطح تقع على عاتق هيئة الاستعلامات، بصفتها المنوط بها التعامل والإشراف والتواصل مع المراسلين الأجانب فى مصر.
ولماذا كشفت الجارديان عن «فبركة» مراسلها للتقارير والمقالات الآن؟ هل هى محاولة لاستعادة السمعة المفقودة لدى المصريين، خاصة بعد 30 يونيو، أم محاولة إبعاد شبهات سيطرة قطر على أسهمها منذ ثلاثة أعوام تقريبا، وبالتالى تغيرت سياستها التحريرية وتخلت عن مبادئها فى التمسك بقيم ومواثيق العمل المهنى الصحفى بالموضوعية والتدقيق والتوثيق؟
مراسل الصحيفة جوزيف مايتون يعمل فى القاهرة منذ عام 2009 ولم يسمع عنه أحد أو عن كتاباته عن مصر إلا فى العامين الأخيرين وتحديدًا بعد ثورة 30 يونيو مع التحول الكبير فى مواقف الصحيفة وانحيازها ضد مصر.
التقارير المفبركة، 37 تقريرا فى عامى 2015 و2016، والمقالات الكاذبة التى كتبها مايتون عن مصر، حوالى 20 مقالا، أسقطت مصداقية الجارديان، رغم اعتذارها واعترافها بفبركة مراسلها واستغلاله انحياز الصحيفة ضد مصر وثورة يونيو، وفقدت سمعتها لدى المصريين واحترامهم لها.
أوهام المصداقية والمهنية سقطت عن «الجارديان» مثلما سقطت عن معظم الإعلام الغربى مع قيام 30 يونيو ضد نظام الإخوان وظهور «الوجه القبيح» لوسائل الإعلام الغربية.
ومن يتأمل العناوين المستمرة للصحيفة بعد «يونيو» يدرك أنها تحولت إلى أداة للتحريض على الكراهية والانحياز السافر ضد مصر، وخرجت عناوينها كالتالى: «الدول التى رحبت ودعمت «انقلاب» مصر أخطأت التقدير».. «احتفالات أكتوبر عززت انقسام الشعب فى مصر».. «رائحة النفاق تفوح من معسكر المعارضة المصرية».. «الانقلاب يتراجع بقوة».. «السيسى وأتباعه يقودون مصر إلى الهاوية»». هذه هى الجارديان العريقة التى مارست أقصى درجات الانحياز والإعلام الأسود ضد مصر بعد يونيو 2013.
الصدمة فى «الجارديان» أكثر وقعًا من غيرها، لأنها أعرق الصحف البريطانية، وربما العالمية، حيث تأسست عام 1821، وبلغ عدد قراء موقعها الإلكترونى مؤخرا نحو 30 مليون قارئ، كثالث الصحف الإلكترونية قراءة فى العالم.
نأتى للسؤال الأهم، وهو: وأين هيئة الاستعلامات المصرية، وما طبيعة علاقتها وشكل تواصلها مع المراسلين الأجانب فى مصر؟ فهناك حوالى 800 مراسل صحفى أجنبى فى مصر، حسب أرقام جمعية المراسلين الأجانب فى مصر التى يرأسها الألمانى فولكهارد فيندفور الذى يعيش فى مصر منذ الخمسينيات وخريج المدارس والجامعات المصرية.
هل هناك متابعة من الهيئة للتقارير الإعلامية الصادرة عن مصر وما تحتويه من أكاذيب ومعلومات مغلوطة لتشويه صورة مصر فى الخارج؟ هل لديها إجراءات محددة للحد من تلك التقارير وتحذير صاحبها، أم «هى فوضى» و«بلد ملطشة» لكل من هب ودب من المراسلين الأجانب فى مصر؟ لا يستطيع مراسل أجنبى فى أى دولة نشر أو إرسال أى معلومات غير صحيحة، إلا بالرجوع والتشاور مع السلطات المعنية فى الدولة، لكن يبدو أن المسألة «سداح مداح» هنا فى مصر، فلا رقابة ولا متابعة ولا حتى تواصل جيد وعلاقات عامة مع المراسلين الأجانب بالشكل المعروف والمطلوب.
إذا كانت «الجارديان» قد أخطأت إلى حد الفضيحة، فهناك مسؤولية، يجب عدم إغفالها، على الجهات المعنية لدينا، وهذه الجهات هى الهيئة العامة للاستعلامات.