وجود الجريمة فى أى مجتمع اقترن بوجود الإنسان، فمنذ جريمة القتل الأولى فى تاريخ البشر، التى قضى فيها "قابيل" على شقيقه "هابيل"، بعدما طوعت له نفسه ذلك الفعل، كما حدثنا القصص القرآنى، فقد أحس الأول أن شقيقه مميز وله لدى الله مكانة أفضل، بعدما تقبل قربانه، ومن هذه اللحظة ظهرت الجريمة المنظمة، وظهر معها الندم، الذى غالباً ما يأت بعد فوات الأوان!
ما حدث فى قضية قتل طبيبة فى مقتبل العمر – 35 عاما – بمدينة السلام، محافظة القاهرة، لا يختلف كثيراً عن الجريمة البشعة التى ارتكبها الإنسان الأول، فقد كان التدين الشكلى الزائف دافعها، والجهل والفتنة أسبابها، فنصب المجرمون أنفسهم حكاماً، ولبسوا ثوب القاضى، وحركتهم الفتنة، فأخذوا يكيلون الاتهامات للطبيبة الشابة، وأنها كانت رفقة شاب، مع العلم أنهم ليسوا من أقاربها، ولا توجد سابق علاقة تربطهم بها، لكن ما حدث كان ظلماً وعدواناً بيناً.
مصر دولة عرفت القانون منذ آلاف السنين، ووضعت قواعد وضوابط للثواب والعقاب، مازلنا نطبقها حتى يومنا هذا، فكيف نرى فى العام 2021 جريمة بهذه البشاعة ودافعها بهذا الجهل والغباء، فنحن فى دولة يحكمها القانون ويخضع له الجميع، ولا يمكن لأحد أن ينصب نفسه قاضيا ويقيم أفعال الناس، هذا يستحق الحياة وتلك تستحق القتل... متى كان الدين يأمر بهذا؟! فقد جاء كلام الله صريحا واضحا بأن: "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد"، فهذا حديث الله الذى لا يظلم أحداً، فلماذا نظلم باسمه ونقتل باسم الدفاع عن دينه؟! والدين والإنسانية مما نفعل براء.
متى كان من المروءة والشجاعة أن تكسر مجموعة همجية على فتاة باب شقتها، تحت أى دعوى وبأى مسمى أو صفة؟! وهل صارت مجالسة الناس لبعضها البعض جريمة تستوجب الإلقاء من الدور السادس؟! في مشهد بشع لا يقل عبثية ووحشية عن تلك الجرائم التي تنفذها الجماعات الإرهابية بحق الأبرياء.
هذه جريمة لا يجب أن تمر دون أن تكون جرس إنذار وناقوس خطر حول التدين الشكلى الظاهرى والأفكار المنحرفة، والفهم الخاطئ لرسالة الأديان، وعلينا أن نضع فى الاعتبار أن القانون هو الحاكم والملاذ، ودونه الفوضى، فلو أن كل مواطن تصور أن منكراً يحدث وحاول أن يغيره بيده لحلت الكارثة، وصارت الدنيا والغابة سواء، الكل يحاكم الكل.
إن جرائم سلب الإرادة والاعتداء على الغير أشد خطورة على المجتمع وكيانه من أى شيء آخر، لذلك يجب أن تكون العقوبات رادعة وحاسمة، بحيث تقلل قدر الإمكان من هذه الظاهرة، التى يسلم فيها المجنى عليه نفسه وماله كرهاً تحت وطأة السلاح أو العنف بكل أشكاله، وتكون الخيارات مستحيلة :" افعل ما أريد أو البديل القتل أو العاهة المستديمة أو عدد ما شئت من خيارات لا نقبلها جميعاً".