أتذكر اسمها «وردة»، طالبة فى الصف الثالث الإعدادى، وبسببها احترقت منازل وممتلكات الأقباط فى أبوقرقاص سنة 1990، كانت تعشق «شريهان» بطلة الفوازير فى ذلك الوقت، فساتينها وجمالها ورشاقتها، وأرادت أن تكون مثلها وتودع الفقر واليتم باختلاق قصة حب وهمية لم تحدث، واختارت بطلبها شاب مسيحى، والده تاجر أخشاب، ويمتلك سيارة حمراء، وروت لصديقتها فى الفصل قصصا كاذبة، عن شقة يمتلكها هذا الشاب، تذهب إليها مع بنات كثيرات يتناولن الطعام والمخدرات ويمارسن الحب، وانتقلت القصة إلى شقيق صديقتها عضو الجماعة الإسلامية، التى كانت تسيطر على المنيا فى ذلك الوقت.
تحرك أعضاء الجماعة الإسلامية «دفاعا عن شرف المسلمات ضد المسيحيين»، وحرقوا ممتلكات ومنازل الأقباط، واصطحبوا الفتاة إلى الشقة المزعومة فلم يجدوها، وحولوا البنت لطبيبة من الأخوات للكشف عليها، فأثبتت عذريتها، واستغلت الجماعة الإسلامية الحادث أسوأ استغلال، وامتدت ألسنة النار من أبوقرقاص إلى بندر المنيا، وتحركت الأجهزة التنفيذية والشعبية والدينية كالعادة ببطء شديد، وسادت حالة من القلق فى الصعيد كله.
سافرت إلى أبوقرقاص لتغطية الأحداث لمجلة روزاليوسف، طلبت من مدير الأمن وقتها أن أقابل الفتاة المتحفظ عليها، ورأيتها طفلة من حطام البؤس والفقر، فاجأتنى بقولها «عايزنى أقول إيه يا بيه، أنا تعبت، شويه يمسكونى ناس ويربطوا عنيا، ويقولوا إحنا مباحث قولى كذا، وبعدها ييجوا ناس تانى يربطوا عنيا وياخدونى، ويقولوا إحنا جماعات قولى كذا، أنت صحافة يابيه عايزنى أقول إيه؟».. وبعد أن طمأنت الفتاة حكت لى بالتفصيل كيف اخترعت أكذوبتها، التى حرقت أبوقرقاص.
وعليه: الصعيد ليس أوروبا، والعشق الحرام يراق على جوانبه الدم، والجماعات الدينية إما أن تصنع مثل هذه الأحداث بنفسها، أو تستغلها أسوأ استغلال وتشعلها حرائق، وجلسات الصلح الوهمية بين أطراف الأزمة مجرد مسكنات، وقبلات وأحضان المشايخ والقساوسة أمام الكاميرات ضحك على الذقون، ولا توجد استراتيجية لمواجهة هذه الفتن رغم تكرارها، والأجهزة التنفيذية والشعبية وأعضاء البرلمان يتحركون مثل المطافئ التى تأتى بعد انتهاء الحريق، والأزهر والكنيسة مثل الأب الروحى الذى يوجه نصائحه من أعلى، وأخيرا يكون خط الدفاع الأول والأخير هو الأمن.
وعليه: المسلمون لن يحرروا القدس إذا تأسلمت مسيحية، والمسيحيون لن يثأروا لكرامتهم إذا وقعت مسلمة فى شباك مسيحى، والمجتمع يعتبر هذا النوع من الفتن العاطفية جريمة كبرى، وفى الجانبين شباب متحمس ومتهور، وردود أفعال تصل إلى حد الغوغائية، ويتربص بالجميع كتل من الإخوان والسلفيين، ومثلهم مسيحيون، ينتظرون على أحر من الجمر، لتحويلها إلى حروب دينية.
والحل؟
أولا: عقد مؤتمر مشترك بين الأزهر والكنيسة، لدراسة المشكلة ومقترحات وقف وتحريم وحظر الزواج المختلط بين الأديان، لفترة معينة خمس أو عشر سنوات، لأن مصلحة الوطن وإنقاذه من الفتن، لا يمكن أن تتعارض مع الإسلام أو المسيحية.. ثانيا: تجريد هذه الفتن من الصبغة الدينية، واعتبارها جرائم جنائية، ومن يقترفها يقع تحت طائلة المحاكمة السريعة، وأن تتوقف الكنائس والمساجد عن دس أنفها، وتترك الأمر للقانون.. ثالثا: توقيع عقوبات صارمة على وسائل الإعلام والفضائيات، التى تتعمد نشر الشائعات، وتأجيج الفتن، فأمن البلاد ليس لعبة لإعلامى يشعل الحرائق، أو من يبحث عن الشهرة وجذب الإعلانات، حتى لو كان على جثة الوحدة الوطنية.
أفضل من إطفاء الحرائق هو منع اشتعالها، وإبعاد الثقاب عن عيدان الحطب، وفى الصعيد إذا أراد مسيحى أن يحب مسلمة، أو مسلم يعشق مسيحية، فلنقل لهم «آسفين»، فمن الحب ما حرق.