لجان المصالحات فى الصعيد نواة للقضاء الشرعى الذى تبحث تطبيقه الجماعات المتطرفة
فليغضب من يغضب، المصلحة الوطنية فوق أى اعتبار، والأمن والأمان والاستقرار لن يعرف طريقه لهذا الوطن، ما لم نواجه المشاكل الأمنية الكارثية المتوطنة فى جسده، ونضع له روشتة علاج حقيقية لا تتضمن أى مسكنات.
نعم، هناك تقصير أمنى جنائى لم يسبق له مثيل، وأن «كبد» المنظومة الأمنية أصابه «التليف»، ولم يعد يقوى على أداء دوره حتى ولو فى حده الأدنى، ومن ثم يجب الإسراع بالتدخل الجراحى، وإجراء عملية زرع كبد آخر.
العلاج بالمسكنات لمعظم المشاكل فى مصر وفى القلب منها، الكوارث الأمنية فى شِقه الجنائى، كان مدمرا، ووبالا على الجسد كله، وآثاره الجانبية مزعجة وقاتلة، والاستمرار فى استخدام المسكنات سيعرض الجسد كله للفناء.
وعلى رأس المسكنات المستخدمة فى علاج انفلات الأمن الجنائى، يتمثل فى الجلسات العرفية، والتى ثبت بكل الأدلة القاطعة فسادها، وسجلت مجدا مدهشا فى الفشل، وتعميق الجراح، وزيادة فى قضايا الثأر، فلا يمكن أن تنتقل ساحات العدالة من الأقسام والمراكز الشرطية وساحات المحاكم، إلى «الديوان والمندرة والمضيفة»، ويصبح فيه العامة قضاة ومستشارين ورجال شرطة ينفذون قوانينهم العرفية التى تصدر معظمها عبر منصة الأهواء الشخصية.
المصيبة والتى سواء يجهلها الأمن، أو يعلمها ويغض الطرف عنها، هى أن لجان المصالحات العرفية، تتحكم فى مسارها جماعات وتنظيمات متطرفة، وتوظفها لتأجيج الأوضاع، وإشعال نار الفتنة، من أجل هز وتشويه صورة الأمن، وتوجيه ضربة قوية وموجعة لمنظومة العدالة فى مصر.
لجان المصالحات العرفية فى القرى والنجوع، نواة للقضاء الشرعى الذى تبحث تطبيقه الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وأن أعضاءها من رجال دين محسوبين أو متعاطفين مع جماعة الإخوان الإرهابية والجماعة الإسلامية، فهل نرفض القضاء الشرعى فى سيناء ونقبله فى الصعيد؟
أيضا لابد للدولة أن تضع نتائج ما تم اكتشافه من جرائم فساد فى مثلث الرعب «الجعافرة» بمحافظة القليوبية أمام عينيها، حيث ثبت بالدليل القاطع أن عصابة «الدوكش» فى مثلث الرعب تعمل طوال 30 عاما تحت حماية أمنية، بداية من العمدة وشيخ البلد، والمخبرين السريين، وضباط ولواءات، بمنتهى الفُجر المهنى والأخلاقى، وأن الدولة عندما قررت مواجهة هذه العصابات التى أشاعت الرعب، وارتكبت مجازر، وكانت من أكبر بؤر المخدرات فى مصر، نجحت واكتشفت أن من بين رجال مباحث المخدرات، والمباحث الجنائية، فاسدين، ويمنحون الغطاء القانونى والأمنى للعصابات والبلطجية وتجار المخدرات.
ونقولها وبموجب معلومات، معلومة بالضرورة، للقاصى والدانى، أن عصابة «الدوكش» فى «الجعافرة»، ما هى إلا نموذج مكرر بقوة فى معظم محافظات الصعيد، وأن هناك غض الطرف عن مواجهة مثل هذه العصابات، واكتفى الأمن بالحلول العرفية المسكنة، على يد لجان المصالحات كبديل لتحقيق العدالة، فانتهزت الجماعات المتطرفة والتكفيرية الفرصة لتوظيف هذه اللجان لخدمة أهدافها السياسية، وإثارة الفتن لتأجيج الأوضاع فى المجتمع الصعيدى.
عودوا إلى كل القضايا التى لجأ فيها الأمن إلى لجان المصالحات العرفية، ستجد جميعها، فشلت واستفحل خطرها لتتسع دوائرها وتشمل عائلات وقبائل أخرى، بفعل فاعل من أعضاء اللجان العرفية والذين يقفون خلفها من قيادات الجماعات المتطرفة.
اللجوء إلى لجان المصالحات العرفية كارثة، وأن مصر ستسدد كلفته غاليا، بجانب أن الأمن سيجنى ثمار التأجيج والفوضى. وللحديث بقية غدا إن شاء الله.