لدينا نحن، المصريين، يقين داخلى بأن تأثيرنا الإعلامى خارجيا تراجع بشكل مخيف، مما أعطى الفرصة للآخرين ليملأوا الفراغ الذى أحدثه انزواء الإعلام المصرى وتقوقعه فى المشاكل والأزمات الداخلية، وهو ما أثر سلبيا ليس فقط على صورة الإعلام، لكن على مصر بشكل عام، لأنها كانت ولاتزال تتلقى ضربات من الإعلام الأجنبى دون أن يكون لها صوت مسموع فى الخارج يسمح لها بالرد أو على الأقل توضيح صورتها.
فى المقابل، فإن أشقاءنا العرب ليست لديهم هذه الصورة السوداوية عن الإعلام المصرى، هم يعرفون أن هناك تعثرا فى المسيرة، لكن هذا لا يعنى الوفاة الكاملة، أو ابتعاد مصر إعلاميا عن الساحة العربية والإقليمية، وهو ما سمعته من مسؤولين عن الإعلام فى دول عربية شقيقة، فهم يثقون فى قوة مصر إعلاميًّا ويعولون كثيرًا على ذلك، خاصة بعد الحركة النشطة التى شهدها سوق الإعلام المصرى الأيام الماضية، التى نتج عنها الإعلان عن الاندماج بين قناتى النهار وcbc، وشراء رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة قناة ON TV، فلدى الأشقاء العرب أمل فى أن يكون ما حدث بمثابة نقطة الانطلاق الجديدة لمصر إعلاميا وزيادة مساحة وجودها عربيا وإقليميا، والتخلى عن سياسة الاكتفاء داخليا.
التقيت ضمن مجموعة من الصحفيين والإعلاميين المصريين على مدى يومين، باثنين من المسؤولين عن الإعلام العربى، الأول هو منصور إبراهيم المنصورى، مدير عام المجلس الوطنى للإعلام بالإمارات العربية المتحدة، وبحضور إبراهيم العابد، مستشار رئيس المجلس الوطنى للإعلام، ومحمد جلال الريسى، نائب المدير التنفيذى لوكالة أنباء الإمارات «وام»، والثانى هو وزير الإعلام البحرينى، على بن محمد الرميحى بحضور عبدالله خالد الدوسرى، مدير الأخبار بهيئة شؤون الإعلام بالمملكة، وإبراهيم الوزان، رئيس شؤون الإعلاميين بالهيئة، وسميرة رجب، وزيرة إعلام البحرين السابقة والمبعوثة الحالية بالديوان الملكى، والإعلامية البحرينية سوسن الشاعر.
فى اللقاءين كان المشترك واحدا، وهو وضع الإعلام المصرى ومعه العربى أيضا، وكيفية إيجاد آلية لمجابهة أكاذيب الإعلام الغربى ضد العرب بشكل عام ومصر تحديدا، وفى الخلفية تناول ما حدث فى قضية سقوط الطائرة الروسية، وحادث مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وأخيرًا سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من مطار شارل ديجول الفرنسى فى البحر المتوسط، حيث لعب الإعلام الغربى فى القضايا الثلاث على وتر واحد، هو تحميل مصر مسؤولية الحوادث الثلاثة، دون أن تكون هناك جبهة إعلامية داخلية تساعد مصر فى الرد على هذه المحاولات الغربية، فنحن دائما نتحدث مع أنفسنا دون أن يسمعنا الخارج الا فى حالة واحدة فقط، حينما نتحدث عن السلبيات، فهذه هى الحالة الوحيدة التى ينظر لنا الإعلام الغربى ليأخذ منا.
ما خرجت به من اللقاءين أن الأمل مازال يراود أشقاءنا العرب، خاصة الخليجيين بعودة سريعة ومؤثرة للإعلام المصرى لمواجهة الهجمات الإعلامية الغربية التى تستهدف العرب، فهم يثقون فى مصر وإعلامها، كما يثقون فى قدرة المصريين على مواجهة التحديات التى تجابه الدولة المصرية سواء فى الداخل أو على حدودها.
هم يرون أن إعلامنا انغمس فى المشاكل الداخلية، وهذا له مبرره بسبب مرور مصر بثورتين وأنظمة سياسية مختلفة على مدى خمسة أعوام أثرت على الأداء الإعلامى، لكنهم يدركون جيدا أن الحاجة أصبحت ضرورية لتعيد مصر تركيزها على الخارج وما يدور فيه، فالإرهاب الذى تعانى منه مصر ودول المنطقة يحتاج ليقظة ثقافية وإعلامية تأخذ فيه مصر موقع الصدارة، يقولون ذلك ولديهم إيمان عميق بأهمية مصر بالنسبة لأشقائها العرب، فالخوف على مصر ومستقبلها هو الذى يدفع أشقاءنا العرب، خاصة الخليجيين، ليتحدثوا معنا بصراحة ويدفعونا إلى الخروج السريع من الشرنقة التى أدخلنا أنفسنا بداخلها.
قد يكون من المفيد أن نفتح حوارا داخليا بيننا، لنعرف أين نقف وما هو موقفنا مستقبلاً، وهل سنظل نحدث أنفسنا ونتشاجر مع بعضنا البعض، ونترك الغرب يلتهمنا بإعلامه الذى لا يراعى مهنية ولا حيادية، وقد يكون من المفيد أيضا أن يتشجع آخرون للدخول فى كيانات إعلامية كبرى يكون لها ذراع إعلامية تتحدث مع الخارج باللغة التى يفهمها.. هناك أفكار كثيرة يمكن اللجوء إليها، لكن السؤال: هل نتحرك أم نقف عند النقطة نفسها؟