زيارة الرئيس التونسى، قيس سعيد، لمصر، تتضمن الكثير من النقاط المهمة التى تهم البلدين فيما يتعلق بالكثير من الملفات، هناك ملفات اقتصادية وسياسية عديدة، لأن المنطقة تشهد خلال سنوات تحولات كثيرة تؤثر على بعضها.
اللافت للنظر أن هذه التحولات السياسية والحراك السياسى كان يفترض أن ينعكس بشكل أكثر ديناميكية على العلاقات بين الدول العربية الأفريقية وشمال أفريقيا، وبين دول القارة عمومًا والشرق الأوسط والمتوسط. وهو محيط يشهد الكثير من التداخلات والتشابكات، لكن العكس كان الصحيح، فقد انشغلت كل دولة بشؤونها، تاركة محيطها محطًا للتدخل والتشكيل.
وبدا هذا التباعد هدفًا مقصودًا، لأنه أتاح تغلغل التنظيمات المتطرفة والإرهابية، والميليشيات فى دول عربية تعرضت لهزات أفقدتها توازنها، وخلال أقل من سبع سنوات تحولت ليبيا إلى أكبر مجال للتدخلات الخارجية والحرب بالوكالة، وبدا أن تنظيم الإخوان هو المخول بدور التفكيك والتشتيت، وفى كل مجال تم فيه زرع التنظيم وامتداداته من داعش أو غيره، بدا الهدف هو خلق صراعات وهمية تمكن الميليشيات والتنظيمات الإرهابية من تنفيذ التفكيك.
من هنا فقد أعلنت مصر خلال سنوات، أن إعادة الاستقرار إلى ليبيا هو بداية أى تحرك لبناء استقرار عام وإعادة الأوضاع الطبيعية، مصر لم تكن لها أهداف غير أن تكون ليبيا مستقرة يديرها الليبيون، وخلال سنوات بذلت القاهرة جهدا كبيرا لتأكيد هذه الرسالة، وواجهت صراعا واسعا مع تحالف تمويل الإرهاب، بالمال والسلاح والمقاتلين. حتى أعلنت مصر خطها الأحمر فى الصيف الماضى، لتبدأ عملية سياسية مختلفة فى ليبيا، بعد سنوات كانت يتم فيها الالتفاف على أى حلول سياسية. ولا شك أن عدم الاستقرار فى ليبيا انعكس على دول الجوار، مصر ودول المغرب العربى، وهى الدول التى واجهت تداعيات من وجود وأنشطة داعش وتنظيمات الإرهاب فى ليبيا، وكان الطبيعى أن تنتبه دول الجوار الليبى إلى أخطار انتشار الإرهاب والفوضى لكونه يهدد كل دولة على حدة، خاصة مع وجود قواعد للتنظيمات فى هذه الدول تمثل مخزونا لأى تحرك إرهابى.
كان السعى المصرى، يضع فى بؤرة الاهتمام استقرار ليبيا كأساس لأى خطوات فى المنطقة، استنادا لمصالح الشعوب وإنهاء مرحلة من أكثر مراحل عدم الاستقرار، وهى رؤية انتهجها الرئيس عبدالفتاح السيسى دائمًا، مستندًا لدور سياسى إقليمى واضح. فى حين كان تنظيم الإخوان هو عنصر عدم الاستقرار، والدافع لزرع التشكيك وسوء الفهم بين الدول.
وحتى الزيارة التى يقوم بها الرئيس التونسى قيس سعيد لمصر، تبدو من بين أسباب الهياج داخل التنظيمات والميليشيات وداعميهم. وينعكس هذا فى شكل تحركات حلفاء التنظيم داخل وخارج تونس، لأنهم يواجهون دائمًا مفاجآت اقتناع لدى الأطراف الدولية والإقليمية بصحة الرؤية القائمة على مصالح الشعوب.
زيارة الرئيس التونسى قيس سعيد، لمصر تحمل الكثير من الرسائل، منها الاتفاق فيما يتعلق بالقضية الليبية، حيث اتفقت الرؤية المصرية والتونسية على «دعم إدارة المرحلة الانتقالية فى ليبيا، وعقد الانتخابات نهاية العام الجارى، وإنهاء التدخلات الخارجية وخروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين والإرهابيين الأجانب من ليبيا، بما يضمن استقرارها الكامل والمنشود، ويصون سيادتها ووحدة أراضيها ومقدرات الشعب الليبى الشقيق»، وهو تحول لا ينفصل عن باقى الملفات التى تتعلق بالحقوق المصرية والسودانية فى المياه.
زيارة الرئيس التونسى لمصر تتجاوز نتائجها، بجانب الارتقاء بالتعاون الثقافى وإحياء التاريخ المشترك بين الشعبين، إلى تعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، وكما قال الرئيس السيسى «مواجهة كل التنظيمات وتجفيف منابع التمويل والفكر المتطرف والحفاظ على الأمن القومى العربى، وسلامة واستقلالية الدول العربية، وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية ورفض محاولات التدخل الخارجى ومواصلة الجهود لدعم الجهود الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للعالم العربى».
كل هذه الملفات تتجاوز الظاهر إلى تفاصيل الملفات الأكثر أهمية للأمن القومى العربى، ولهذا تتهيج كل خلايا دعم الإرهاب والفرقة وحلفاء الفوضى والحروب بالوكالة.