النواب انحازوا للثقافة ضد «التخطيط»
من المفترض أن تشحن الدولة كامل طاقتها من أجل إفشاء الثقافة فى المجتمع، لكى لا نترك أبناءنا نهبا للعشوائية والتخبط والتطرف والإهمال، بل من المفترض أن تكرس الدولة مجهودها الآن لكى ترتقى بالروح الثقافية العامة لدى جموع الشعب المصرى، لما فى هذا من فائدة عظيمة على المستويين الداخلى والخارجى، فالداخل بحاجة ماسة إلى علاج ثقافى عاجل يشفى المجتمع من أمراضه، ويجتث من قلبه الخبائث، أما فى الخارج، فنحن بحاجة ماسة أيضا إلى تحسين الصورة الذهنية لمصر فى العالم، وقد تأثرت هذه الصورة بشكل غير مسبوق عبر عشرات الممارسات السوداء، ومن هنا أتت أهمية اجتماع لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب، لمناقشة الموازنة المقدمة من وزارة الثقافة، فقد تولى الوزير حلمى النمنم مسؤولية وزارة الثقافة فى منتصف السنة المالية، وهو الأمر الذى جعل يده مغلولة، سواء فى رسم الخطة الثقافية أو الانتهاء من المشروعات العاجلة، وبداية سنة مالية جديدة باعتمادات مالية جديدة، من شأنها أن تنعكس إيجابا على الحياة الثقافية فى مصر، فتأتى الأهمية، وأيضا تأتى خطورة ما حدث فى تلك اللجنة.
بدأت المناقشة، كما عرفت تفاصيلها من بعض الحاضرين، بطرح المشروعات المقترحة للعام المالى الجديد، ثم عقّب مندوب وزارة التخطيط معترضا على هذه المشروعات، فيما يوحى بأن الوزارة ليست مستعدة لمنح «الثقافة» ما يكفى، لإتمام هذه المشروعات، متحججا بأن الوزارة لا تنجز المشروعات التى تقترحها فى كل عام، ومن ثم فإنه يجب تخفيض الاعتمادات المالية المطلوبة، فرد قيادات الثقافة، قائلين إن الحكومة كل عام تفرج عن الاعتمادات المالية فى آخر السنة المالية، مما يجعل صرفها مستحيلا، ولهذا اعترض الحاضرون على فكرة تخفيض الاعتمادات المالية، وعلى رأسهم قيادات وزارة الثقافة، وهنا كانت المفاجأة، حيث انضم أعضاء مجلس النواب إلى جانب المثقفين، وأكدوا أهمية إفشاء الثقافة فى المجتمع، باعتبارها أمنا قوميا، كما أكدوا أهمية توفير كل الإمكانات، لمساعدة الوزارة على إتمام مشاريعها المستقبلية، والتى من شأنها أن تضع مصر على الخارطة الثقافية العالمية من جديد، مثل إتمام تجديد متحف الجزيرة الذى يعد «لوفر الشرق»، والانتهاء من مشروع تطوير وتحديث قصور الثقافة.
دفاع النواب عن «الثقافة» بالنسبة لى، كان صدمة محببة، فقد ترسخت تلك الصورة الذهنية المتشائمة عن «ثقافة النواب»، بعدما رأينا ضحالة البعض وعشوائية البعض الآخر، لكن اجتماع هذه اللجنة جاء لينقى هذه الصورة السوداء من بعض قتامتها، ويؤكد أن الصورة ليست بالبشاعة التى نتخيلها، وهو ما يلقى بالكرة مرة أخرى فى ملعب وزارة الثقافة التى أدعوها إلى استثمار هذه الرياح المواتية، وأن تنجز كل ما نحلم بإنجازه، فالأمانة العلمية تقتضى بأن أذكر هنا، أن وزارة التخطيط لديها بعض المنطق فيما قالته، لأننى أذكر أن هذه الوزارة أمدت «الثقافة» بما طالبت به، وقت تولى الدكتور جابر عصفور، لكن للأسف لم يتم إنجاز المشروعات المقترحة.