يمكن القول إن الرغبة تحكمنا، والهوى يسيطر علينا ويقودنا فى حياتنا، فنسير خلف جمل مثل "هذا أحبه، هذا أريده" وكأنه لا قانون فى الحياة ولا منطق فى الأحداث، وكأن الدنيا لا تزال فى عهد البدائية فلا دين نزل ولا حكمة ظهرت.
نقرأ فى سورة الفرقان قول الله سبحانه وتعالى "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً"، والهوى معناه ميل النفس إلى ما تريده من شهوة، وميلها إلى تحقيق غايتها بغض النظر عن حقوق الآخرين.
إن الدين لم يأت على هوى أحد، بل جاء ليضع قوانين تنظم حياة الإنسان الروحية وليقف ضد كل ما يفسد الحياة عامة ويقف ضد الهوى خاصة، وذلك لأن الهوى يعنى الأنانية المفرطة، والرغبة الأحادية فى السيطرة على كل شيء حولنا، إنه طريقة لإعادة صاغة الحياة حسب أنفسنا فقط، فلا وجود لرغبات آخرين ولا عقل جمعى ولا مصلحة عليا.
والهوى من معانيه السقوط فى الهاوية، وطبعا فإن الإنسان وهو فى طريقة للسقوط لا يدرى أنه يضيع، فهو واقع تحت "نشوة" تجعله غير منتبه إلى الخطر المحدق به، بل يظن أنه يصعد لأعلى وأن الأمور تسير كما يحب ويرغب.
إن من يقرأ القرآن الكريم وينظر فى الأديان ويتابع ما قاله المعتدلون من الفلاسفة، سيجد أن كلامهم يتحدث عن قدرة الإنسان على ضبط هواه ومقاومة لرغبته، وذلك لأن الهوى ليس بالأمر السهل، هو قرين الشك فى كل الأمور الثابتة، والهوى ظلم للآخرين، لأنه عادة يتنافى مع الحق، كما أنه متعدد الأوجه، فكل إنسان له هواه.
والنتيجة أن يتبع الإنسان هواه فيضل، لأن الرؤية تكون ضيقة جدا، ومن يفعل ذلك لا يبصر سوى نفسه، بالتالى هو يتحرك فى ظلمة ويسير فى سرداب إلى النهاية التى يفاجأ بها.