تستحق الحياة أن تعاش، وأن نستمتع بأمورها وتفاصيلها صغرت أو كبرت، ومن الجميل أن نحب أنفسنا ونقدم لها بعض ما يهون عليها، كما لنا أن نرجو عيشًا هنيئًا وأن نرغب فى متعة ولو قليلة، وينطلق ذلك من التوازن بين حب الحياة والتفكير فى الآخرة والعمل لها، وهى مسألة ليست سهلة، ولكنها ممكنة طبعًا.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة القصص ﴿وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِى ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾ تنطلق هذه الآية من الدعوة للحياة بوضع قوانين أخلاقية لها، إنها تخاطب إنسانًا فتح الله عليه بالكثير أو بالقليل من متع الدنيا، تقول له فيما معناه عندما يفتح الله عليك باب رزق لا تغتر به ولا تذهب بنفسك الظنون، بل استغل ذلك فى تحسين عملك للآخرة التى هى أبقى، ولكن وأنت تفعل ذلك، لا تنسى حياتك الحالية، لا تجعل أيامك جرداء قاحلة، لا تحول حياة من حولك إلى سلسلة من المنع والتسويف لا تعذبهم، والحل بسيط هو أن تعيش وفى الوقت نفسه تُحسن إلى الآخرين، لأن ما أنت فيه هو إحسان من الله سبحانه وتعالى، أى عليك أن تصنع لآخرتك عن طريق عيش الحياة نفسها.
إن هذه الآية مفتاحها التوازن فى كل شىء، والاعتدال فى كل الأمور، لا إفراط ولا تفريط، لا قسوة على النفس ولا تدليل لها حتى الإفساد، فللجسد نصيب وللروح نصيب أيضا.
والتوازن الذى نتحدث عنه، يرتبط بإعمار الأرض، الذى هو واجب وحق، والإعمار لا يعنى فكرة الإنجاب فقط، ولكنه يعنى غرز المحبة فى القلوب، أن تنظر فى عينى امرأتك بحب ورضا، وأن تزرع فى قلب طفلك الأمل وحب البهجة والفرح.
نعم، يمكن لنا أن نستعد لآخرتنا بأن نعيش حياتنا جميلة ومرحة وعادلة وحافلة بصناعة الخير وعدم الإفساد فى الأرض.