الحاجة إلى تحرّك حازم ردًا على افتراءات الأمم المتحدة

فقدتُ كل الاحترام للأمم المتحدة التى تحوّلت لكيان عاجز إلى حد كبير تسيطر عليه حفنة من القوى النووية التى تملك حق النقض (الفيتو)، وتمارس تأثيرًا غير مستحَق على آلية صنع القرارات فى المنظمة الدولية. فضلاً عن تعرُّض مكانتها لضربة قوية بسبب الاتهامات بالفساد، وتحوم شبهات حول تورّط عناصر من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى الاستغلال الجنسى للنساء والأطفال الضعفاء فى هايتى وجمهورية أفريقيا الوسطى.

الأهم من ذلك، ثبت أن المنظمة لا تصلح لأداء المهمة التى أنشئت من أجلها، ألا وهى "الحفاظ على السلام والأمن الدوليَّين"، وفى حال الاقتضاء، "اتخاذ تدابير وقائية أو تنفيذية". من الأمثلة الصارخة عن فشل الأمم المتحدة فى النهوض بمسئولياتها الإبادة الجماعية التى وقعت فى رواندا.

وجّه تقرير كُتِب عام 1994 ونُشِر عام 1999، اتّهامات إلى مسئولين كبار فى الأمم المتحدة بتجاهل الأدلة التى أظهرت أن مجزرة كبيرة على وشك الوقوع، وبالإخفاق فى حماية الشعب الرواندى. وقد أصدر كوفى عنان بيان اعتذار. سجِل الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت ليس أفضل حالاً.

ولم تؤدِّ الأمم المتحدة أى دور مجدٍ أيضًا فى البوسنة والهرسك، وخير شاهد على ذلك مقابر المسلمين الجماعية، كما أنها لا تحرّك ساكناً لوضع حد لحمام الدماء فى سوريا حيث لقى أكثر من 150 ألفاً مصرعهم وهُجِّر الملايين من منازلهم. النزاعات على أشدّها فيما تكتفى الأمم المتحدة بعقد الاجتماعات الرفيعة المستوى التى لا تحقق، فى معظم الأحيان، أى شيء عدا التقاء المندوبين حول مآدب الكوكتيل.

ما الفائدة من امتلاك الأمم المتحدة مقرًا باهظ الثمن إنما عديم القيمة والجدوى فى نيويورك؟ لكن ما ليس مقبولاً أبدًا هو أن يوجّه أمين عام الأمم المتحدة الاتهامات جزافًا إلى المملكة العربية السعودية وتسعة من شركائها العرب فى التحالف بعدما تحرّكوا بناءً على الدعوة التى وجّهها إليهم الرئيس اليمنى المعترف به دوليًا للمساعدة على تحرير بلاده من المتمردين الحوثيين الذين يحصلون على التمويل والسلاح من إيران.

لقد ضحّت المملكة العربية السعودية، وشريكتها الأساسية، الإمارات العربية المتحدة، بأرواح أبنائهما وخصّصت مبالغ طائلة من أجل هذه القضية المحقّة التى تحظى بالدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا. لقى نحو ألف ضابط وجندى فى التحالف مصرعهم وأصيب المئات بجروح. والآن مع انحسار النزاع، قرّر أمين عام الأمم المتحدة، بان كى مون، أن يسدّد صفعة لمنقذى اليمن بإعلانه أن التحالف السعودى يوضَع فى الكفّة نفسها مع الإرهابيين والميليشيات والشياطين الحوثيين الذين يعملون لحساب طهران ذات الأطماع التوسّعية.

لأول مرة، تدرج الأمم المتحدة تحالفًا دوليًا، فى هذه الحالة التحالف العربى بقيادة السعودية، على قائمتها السوداء السنوية، بذريعة شجب الفصائل الضالعة فى "تجنيد الأطفال واستغلالهم، وممارسة العنف الجنسى ضد الأطفال، وقتل الأطفال والتسبب ببتر أعضائهم، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والتهديدات ضد الموظفين المحميّين، وخطف الأطفال".

حمّل بان كى مون بشكل تعسفى الحملة الجوية التى تقودها السعودية مسئولية التسبّب بمصرع 60 فى المئة من الضحايا فى صفوف الأطفال الذين سقط منهم نحو ألفَى طفل، فيما اتّهم التحالف بضرب مستشفى تديره منظمة "أطباء بلا حدود"، الأمر الذى نفته السعودية نفيًا قاطعًا. يجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من إقرار الولايات المتحدة بقصف مستشفى فى أفغانستان يخضع أيضًا لإدارة منظمة "أطباء بلا حدود"، يلقى التقرير بمكر المسئولية فى تلك المأساة على عاتق "القوات الدولية" التى لا ترد على القائمة السوداء.

أسوأ من ذلك، تنجو إسرائيل دائمًا بفعلتها على الرغم من أنها قتلت أكثر من ألف طفل فلسطينى ضحية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. أدانت جماعات حقوقية إسرائيل على خلفية استعمالها الأطفال الفلسطينيين دروعًا بشرية، وأشارت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين، إلى أن 440 طفلاً معتقَلون حاليًا فى السجن العسكرى بطريقة غير قانونية، ويقول ثلاثة أرباعهم إنهم تعرّضوا للاعتداء الجسدي. يبدو أن معاناة أبناء فلسطين ليست جديرة بالاهتمام من بان كى مون، أو ربما كان خائفًا جدًا من أسياده لذلك لا يفتح فمه فى هذه القضية.

صراحةً، شعرت بالصدمة والغضب عند قراءة هذا الخبر المروّع. ما زلت عاجزًا عن التصديق بأن القوى الممثَّلة داخل الأمم المتحدة انحدرت إلى هذا الدرك ليصل بها الأمر إلى حد التلميح إلى أن عشرة بلدان عربية استهدفت الأطفال اليمنيين عن سابق تصور وتصميم!! نحب أطفالنا العرب ونحرص على حمايتهم، تمامًا مثل الأطفال الإماراتيين الذى نكنّ لهم كل الحب والحنان.

صحيح أن الضربات الجوية لا تتوخّى الدقة مئة فى المئة، لكن فى مسارح الحروب كافة، يسقط دائمًا ضحايا مدنيون، وجميعنا نتمنّى لو أن ذلك لا يحدث. الحروب ضرورية أحيانًا، لكنها قبيحة دائمًا. اسألوا العراقيين الذين فقدوا مليونًا من أبناء وطنهم بسبب الاجتياح الذى قادته الولايات المتحدة عام 2003 لتجريد صدام حسين من أسلحة الدمار المزعومة، أو اسألوا الأفغان والباكستانيين الذين فقدوا المئات من إخوانهم الأبرياء بسبب الهجمات بالطائرات بدون طيار الأمريكية.

تقرير الأمم المتحدة المشين تفوح منه رائحة التحيز وازدواجية فى المعايير وإهانات ومزاعم لا أساس لها من الصحة. ما هى اللعبة المقصودة منه؟ ما هو المخطّط؟ ما هو السبب خلف هذا التصنيف المهين والمجحف؟ رفضتُ فى السابق المزاعم بأن الأمم المتحدة أداة سياسية تحرّكها بعض الدول. لكننى أصبحت مقتنعًا الآن بأنها ربما تنطوى على شيء من الحقيقة، لا سيما على ضوء مشروع القانون المطروح فى الكونغرس الأمريكي، والمدعوم من جميع المرشحين لرئاسة الجمهورية الأمريكية، والذى من شأنه أن يورّط السعودية فى دعاوى قضائية فى المحاكم على خلفية هجمات 11 سبتمبر، على الرغم من أن التقرير الصادر عن لجنة 11 سبتمبر يُعفى المملكة من أى مسئولية عن الهجمات الإرهابية التى وقعت عام 2001.

أيًا تكن الحقيقة، أناشد بقوة الدول الأعضاء فى التحالف والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجى إصدار بيانات صارمة ردًا على افتراءات الأمم المتحدة. المطلوب هو صدور قرار حازم عن المملكة العربية السعودية وحلفائها. يجب أن نكون أقوياء وحازمين لا نتزعزع عن مواقفنا. الديبلوماسية هى طريقٌ ذو اتجاهَين، وبما أن السلوك المعيب المتمثل فى إدراج التحالف فى هذه القائمة المشينة بعيد كل البعد عن الأصول الديبلوماسية، فنحن لسنا ملزمين بمراعاة الخواطر.

يجب أن نقولها بوضوح لأمين عام الأمم المتحدة: إما يُشطَب التحالف على الفور من قائمة المارقين السوداء وإما نُلغى عضويتنا فى هذه المنظمة المشبوهة التى يُفترَض بها أن تكون قوة جامعة، وليس مصدراً للتباعد والانقسام. وفى حال لا هذا ولا ذاك، يجب أن نصرّ على دفعه إلى تقديم استقالته فوراً من منصبه.

لن يترك بان كى مون فراغًا على الإطلاق. فهو لا يجيد التعامل مع المسائل الحسّاسة، وعندما يتكلّم، يقول كلامًا غير متماسك. وفى هذا الصدد، ماذا فعل لإنقاذ أطفال الشرق الأوسط أو أى منطقة أخرى ما عدا رميهم بالطرود الغذائية ونَصْب الخيَم؟ لم يخطر فى بالى قط أننى سأتفق يومًا فى الرأى مع كلام صادر على لسان المندوب الأمريكى سابقًا لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، الذى أدّى دورًا أساسيًا فى الدفع نحو اجتياح العراق، غير أنه محق تمامًا فى تلميحه إلى أنه لو اختفت الطوابق العشرة العليا فى مقر الأمم المتحدة، لن يُحدث ذلك أى فارق على الإطلاق. على الأمم المتحدة أن تحسّن أداءها وتتصرف بطريقة مسئولة وإلا على الدول العربية الانسحاب منها.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;