لا أنكر أننى انفعلت كثيراً بحديث الكاتب الكبير عبده مباشر، خلال الندوة التثقيفية، بمناسبة الذكرى 48 لحرب أكتوبر المجيدة، التى نظمها جامعة السويس برئاسة الدكتور السيد الشرقاوى الأسبوع الماضي، وتشرفت بالمشاركة فيها بحضور السيد اللواء عبد المجيد صقر محافظ السويس.
الكاتب الكبير وعميد المحررين العسكريين، هو المدنى الوحيد، الذى صدر له قرار من الرئيس جمال عبد الناصر، بإلحاقه بالمجموعة 39 قتال بقيادة البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي، وهو مالم يحدث فى تاريخ العسكرية المصرية أو الصحافة المصرية، مما أهله بعد ذلك للحصول على نوط الشجاعة عام 1971.
طوال حديثه فى الندوة، وأنا أتابع انفعالاته فى حديثه عن الرجل الذى أحدث التغيير فى مصر. الرجل الذى حرك المياه الراكدة، واتخذ قرار الحرب، وكل المؤشرات تدل على أن ميزان القوة ليس فى صالحنا، وأن الإقدام على قرار الحرب، أشبه بالعملية الانتحارية، لكن هذا الرجل باختياراته، جعل من الانتحار نصراً، ومن اليأس أملاً فى الغد.
ربما أكون من جيل يمثل فيه الفنان الراحل أحمد زكى الرمز والقدوة كفنان مؤمن بقضيته، منذ رأيته لأول مرة وجهاً لوجه فى حفل العرض الأول لفيلم " البيه البواب". منذ هذا اليوم وذلك الفيلم على وجه التحديد، أدركت أنه يصنع شخصيته المتفردة، وهو ماتحقق بالفعل على مدى السنوات التالية، حتى فيلم "ناصر 56" ومن بعده أيام السادات.
لا أنسى بعض الحملات التى تصاعدت ضد أحمد زكي، واتهمته بأنه " مجرد مقلد" للرئيس الراحل!
كثيراً ما كان أحمد زكى يحاول أن يفهم العامة الفرق بين التقليد والتجسيد والتشخيص، وكل منهم عالم خاص ومستقل. لكنى على يقين من أن القضية، أبعد من ذلك بكثير، فهو أمام شخصية محورية، من الصعب أن تتكرر، وبالتالى أداء هذه الشخصية فى حد ذاته يمثل مخاطرة كبرى.
السادات ذلك المجهول، الذى لم يتم الكشف عنه حتى الأن، تلك المنطقة الغامضة من تاريخ مصر. فى أحيان كثيرة أتعجب من تلك الحملات الهستيرية، التى تشنها بعض الجماعات، ولا أعفى الأصدقاء الناصريين منها، متهمة الرئيس السادات بالعمالة وبيع القضية، وكلها اتهامات إلى حد " الخزعبلات"، فأزمة الشرقيين عموماً، أنهم لا يفرقون بين الخلاف الشخصى والعام، بين أقصى درجات الحب والكراهية، فهم يبنون قناعات من زاوية رؤية واحدة، ويصدرون على أساسها أحكاماً غير قابلة للنقض!
شخصية السادات معقدة إلى أبعد الحدود، فهو إن كان ضابطاً على أرض الواقع، إلا أنه فى الحقيقة، سياسى من طراز رفيع استخدم العسكرية فى تحقيق هدف سياسى بمهارة تحسب له.
الزاوية التى ميزت السادات بين أقرانه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، أنه الوحيد صاحب التجربة العميقة فى العمل السياسي، فبدأ ممارسة العمل السياسى وهو فى بداية العشرينيات، واتصل بالفريق عزيز المصري، ثم القى القبض عليه بتهمة التخابر مع الالمان، وأبعد عن الخدمة بالقوات المسلحة، بعدها خطط ضمن جماعة حسين توفيق لاغتيال وزير المالية الوفدى أمين عثمان باشا، وكان ترتيبه السابع بين المتهمين.
مدى شغف الرأى العام بمتابعة قضية إغتيال أمين عثمان، جعله على ارتباط بـ " الضابط الأسمر"، وعقب تبرئه عرضت عليه دار الهلال أن يكتب حلقات صحفية بمجلة المصور تحت عنوان " 30 شهراً فى السجن ".
كانت تلك الحلقات، هى فاتحة الخير للضابط الشاب، فى أن يتعرف على الصحفيين، ويصبح صديقاً لرؤساء التحرير، فعمل مترجماً ومحللاً، وهو ما أهله للدخول الى عالم الصحافة فى مرحلة ما بعد يوليو 52، فترأس تحرير " الجمهورية " .. وكتب مذكراته أكثر من 6 مرات!
حياة الرئيس السادات .. لازالت تحتاج إلى الكثير من البحث .. والبحث هنا ليس فى رحلة شخص ..ولكن فى مرحلة هامة من تاريخ مصر.