أتوقف كثيرا عند الإمام ابن حزم الأندلسى (994- 1064 ميلادية) لأسباب عديدة، منها أنه منح الإنسانية مساحة كبيرة فى أفكاره ويكفى أن كتابه الأشهر بالنسبة للكثيرين هو "طوق الحمامة فى الألفة والألاف" وأن جملته "الحب أعزك لله" واحدة من الجمل الخالدة فى مفتتح الرسائل.
كلما تحدثنا عن تجديد الخطاب الدينى فكرت فى هذا الجيل المميز من الفقهاء الكبار الذين كانوا يملكون جرأة التفكير وقوة الدفاع عن أفكارهم حتى لو كانت مخالفة لمن سبقهم طالما هناك أصل يستندون إليه وهناك علم ينهلون منه.
سمح ابن حزم لنفسه بالتفكير ولم يكن ذلك جريمة بل فضيلة، وانعكس ذلك فى أفكاره، فكانت له آراء مهمة فى علم الأصول، فيما يتعلق بالإجماع والقياس وغير ذلك، وكانت له آراء مهمة فيما يرتبط بالمرأة ومكانتها فى المجتمع ودورها وقدرتها على تولى المناصب والقيادة.
كانت أفكار ابن حزم جديرة بالنطر فيها لأنه رجل متخصص يعرف العلم الذى يتحدث فيه ولا يتحرك عن هوى، ولا يتعصب للأفكار لأنه مؤمن بأن كل النصوص ما عدا القرآن الكريم قابلة للأخذ والرد، وأن العلوم مثل التفسير وغيره إنما هى اجتهادات محسوبة لأصحابها وهى قابلة للتعديل والتأويل والاتفاق معها والاختلاف حولها.
كان ابن حزم علامة فارقة في حياته وبعد موته، أخلص للعلم، وساعدته ظروف نشأته في ذلك، ومن هنا جاءت أفكاره المغايرة، والتي لم يقلها من باب أن يقدم نفسه في صورة المختلف ولا كي يتحدث الناس عنه، فهو لم يكن في حاجة إلى ذلك، ولكن قالها بمنطق العلم، وما ينفع الناس.