أنا سعيد بكل الزيطة والزمبليطة وحالة الجدل والأخذ والرد الدائرة حاليا بين مجلس النواب والحكومة حول ضرورة احترام الدستور ومراعاة ما نص عليه فى الموازنة العامة الجديدة؛ خاصة ما يتعلق بمخصصات التعليم والصحة والبحث العلمى.
ومبعث سعادتى هو أنه لأول مرة فى التاريخ، على ما أذكر، يهدد مجلس النواب بعدم تمرير الموازنة ووضع البلاد والعباد فى مأزق إذا لم يتم إحترام الدستور..وهو أمر لم نشهده من قبل؛ بل على العكس شهدنا نقيضه على مدى سنوات وسنوات حتى ساد الظن بأن الدستور وضع ليخالف ولاتحترم مواده..!
ولعلنا نذكر دستور عام 1971 الذى صدر فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات؛ فقد كانت مواده فى واد ومايحدث على أرض الواقع فى واد آخر.
فعلى الرغم من أن الرئيس السادات انتهج سياسة تقوم على حرية السوق والإنفتاح؛ وفتح الباب على مصراعيه لرؤوس الأموال الأجنبية للعمل فى مصر فى مناخ هو أقرب للمناخ الرأسمالى..كان الدستور ينص فى مادته الأولى على أن نظام الحكم فى مصر إشتراكى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة.
أما المادة الرابعة فكانت تنص على أن الأساس الإقتصادى لمصر هو النظام الإشتراكى القائم على الكفاية والعدل وتذويب الفوارق بين الطبقات..!!
وجاءت المادة الخامسة لتنص، هى الأخرى، على أن الإتحاد الإشتراكى،الذى تم إلغاؤه، هو التنظيم الذى يمثل تحالف قوى الشعب العاملة، وأنه الأداة لتعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية.
ولم يكتف واضعو الدستور بذلك بل تم النص فى اكثر من موضع على أن الحفاظ على النهج الإشتراكى سياسيا وإقتصاديا، وحماية المكاسب الإشتراكية واجب وطنى..!!
وعلى الرغم من تعديل ذلك الدستور أكثر من مرة فى عهد الرئيس السادات، ومن بعده الرئيس حسنى مبارك إلا أن تلك النصوص، التى عفا عليها الزمن ولا تعبر عن الواقع، لم تتغير بحجة اننا " مش عايزين نفتح الدستور" كما أكد الرئيس مبارك أكثر من مرة..!!
أما دستور الإخوان فحكايته حكاية..! وأذكر إننى تلقيت دعوة من اللجنة التشريعية بمجلس الشعب إبان حكم جماعة الإخوان الإرهابية للتحدث أمام اللجنة، أنا وعدد من زملائى رؤساء التحرير، عن رؤيتى فيمن يضع الدستور..وقد قلت وقتها أمام اللجنة، التى كان يرأسها المستشار محمود الخضيرى، أننا لا نعيد اختراع العجلة؛ فالدستور يجب ألا تنفرد بوضعه جماعة خاصة إذا كان اسمها الإخوان المسلمين، ولا حزب خاصة إذا كان اسمه الحرية والعدالة.. بل يجب أن تشارك فى وضعه كل طوائف الشعب، حتى العاطلين، نعم قلتها أمام أعضاء اللجنة الذين فوجئوا بما قلته فى حضرتهم ومعظمه إما من الإخوان أو من السلفيين..!
وكتبت وقتها ماقلته، بالنص، أمام اللجنة التشريعية فى مجلة أكتوبر.. من باب التسجيل والذكرى.. لعل الذكرى تنفع المؤمنين..!
وكان هذا الموقف، ومواقف أخرى كثيرة مناهضة للإخوان،فى عز قوتهم، كلها مكتوبة ومسجلة على صفحات المجلة، سببا فى إقالتى من مجلة أكتوبر، والتفرغ لتقشير البصل وعصر الطماطم فى بيتنا العامر..!
وطبعا كلنا رأينا ما الذى فعله مرسى وجماعته بالدستور الذى تم تفصيله على مقاس "الجماعة المحظوظة" ومريديها..!
المهم نعود مرة أخرى للأزمة الراهنة بين الحكومة ومجلس النواب حول احترام الدستور وما نص عليه فيما يتعلق بمخصصات التعليم والصحة والبحث العلمى..فهذه الأزمة التى أرى بصيص أمل فى إمكانية إنهائها الأسبوع القادم، هى اختبار حقيقى لنواب الشعب فى الحفاظ على الحقوق وإعلاء قيم احترام الدستور والقانون، فالكل ينتظر النتيجة.. وهل يحسم النواب المعركة لصالح الشعب، أم أن الحكومة هى التى ستنتصر بحجة نقص الموارد.. أم سيبقى الوضع على ماهو عليه وسيلتزم كل طرف بموقفه،وتبدأ السنة المالية الجديدة بدون العمل بالموازنة؛ وهو ما يعنى تفاقم الأزمة ووصولها لطريق مسدود.. مما يضع البلاد والعباد فى مأزق لافكاك منه..؟!
لذا لانملك إزاء كل هذا إلا أن ننتظر ونرى..