الشغف هو ذلك الشعور القوى الذي يحفزنا نحو كل شيء، سلباً أو إيجاباً، بقدر ما لدينا منه، بل أكثر من ذلك قد يدفعنا إلى الاستيقاظ من النوم في الصباح الباكر أو التكاسل والرغبة في مواصلة "نوم اليقظة"، حيث الرأس واعية، لكن الجسد ثقيل، الشعف هو القادر على أن يحركنا نحو العمل بسعادة وإقبال، دون أن نحمل أفكار وطاقات سلبية، أو نتصور بأنه روتين معتاد ووسيلة للكسب.
يمكنك أن تقرأ عشرات الكتب والمقالات المتخصصة عن الشغف وأنواعه وأهميته في حياة الناس، إلا أنه يظل أحد أهم الموضوعات التي يجب البحث عنها، وتنميتها، خاصة في مجتمعاتنا الفقيرة، وأتصور أن هناك خط فاصل بين الشغف والروتين، فالبدايات دائماً شغوفة حالمة، قوية، مؤثرة، لكنها سرعان ما تتعطل، وتتحول إلى شكل من الرتابة المعتادة، التي غالبا لا تقودنا إلى أي صورة من صور الإنجاز.
الشغف إذا لم يتحول إلى إنجاز، سرعان ما يتبخر ويختفى، ويصير روتين تقليدي، ومقدمات معروفة تقود إلى نتائج معروفة، وهنا "مربط الفرس" كما يقولون، فالمثلث أو هرم الإنجاز باتت أضلاعه معروفة، الشغف في القاعدة، والتحفيز والتشجيع في الأضلاع، لذلك أهم ما نحتاجه في الوقت الراهن أن ندعم شغفنا، ونتواصل مع أشخاص قادرين على تنمية هذا الشغف.
الفنان فؤاد المهندس، واحد من أهم الفنانين خلال القرن العشرين، وله في قلبي محبة ومعزة خاصة، وكانت له حلقات إذاعية مشهورة ومؤثرة بعنوان "كلمتين وبس"، في أحد هذه الحلقات كان يتحدث عن تأثير "الكلمة الحلوة" على الفرد والجماعة، ودورها في تطوير حياة الأمم والشعوب، وقد توقفت عند عبارة قالها وعلقت في أذنى منذ فترة طويلة:" من غير تشجيع الناس تقف مكانها.. ما تتقدمش، حتى أكبر فنان أو مغنى إن لم يجد التشجيع ما يقولش وما يشتغلش..".
عبارات فؤاد المهندس أو من كتبها له، ليست مجرد كلمات أو خواطر، لكنها منهج نحتاجه بشدة في الوقت الراهن، خاصة مع زيادة الضغوط والأعباء والوتيرة السريعة لكل مفردات الحياة، فما أحوجنا لعبارات تمسح متاعبنا، وتذيب همومنا، وتحفزنا نحو الإنجاز وتطوير الذات، حتى يعيش الشغف ويتنفس، دون أن نتحول إلى دُمى نتكلم ونتحرك ونرقص ونغنى بصورة ميكانيكية مع كل ضغطة زر.
الشغف قد يكون عملة صعبة، لا تتوافر لدى كل منا بنفس الدرجة، إلا أنه يمكن تنميته وتقويته بالدعم والتحفيز، فعلينا البحث عنه في أنفسنا، فما أحوج مجتمعاتنا إلى الشغف، خاصة بعدما سيطر كل ما هو روتيني وتقليدي لسنوات طويلة، لذلك يجب أن يكون التحفيز منهج عمل داخل أي مؤسسة تبتغى التقدم وتستهدف النجاح، وعلينا أن ندفع الناس بمزيد من التشجيع والتحفيز، دون أن نبخس أشياءهم.