هل تقضى الرقابة الإدارية على الفساد؟.. المتابع لحجم القضايا التى تعلن عنها يوميًا الرقابة الإدارية سيصل إلى يقين وقناعة بأن الدولة بالفعل تقود حربًا على الفساد، خاصة إذا تفحصنا أسماء من تم الإعلان عن تورطهم فى قضايا فساد كشفتها الرقابة الإدارية، فأمامى قائمة طويلة من المتورطين، على رأسهم بالطبع وزير الزراعة السابق صلاح هلال، وآخرهم مستشار وزير الصحة والسكان لشؤون أمانة المراكز الطبية المتخصصة، وسكرتيره الشخصى الذى طلب من إحدى الشركات الخاصة مبلغ 4 ملايين جنيه على سبيل الرشوة مقابل إسناد أعمال توريد وتركيب وتشغيل عدد 12 غرفة زرع نخاع بمستشفى معهد ناصر.
بكل تأكيد الفساد هو الآفة التى تهدد، ليس فقط الدولة المصرية، إنما العالم بأسره، ويكفى أن نشير إلى وقائع فساد كادت أن تدمر دولًا ومؤسسات دولية، آخرها الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» الذى استشرى الفساد بين كبار موظفيه، ووصلنا إلى درجة أن رئيس الفيفا، جوزيف بلاتر، كان الفاسد الأكبر فى هذه المؤسسة التى كادت أن تسقط لولا الكشف عن هذه القضايا التى لم تهز الفيفا فقط، إنما طالت دولاً كبرى فتحت تحقيقات داخلية حول تورط مواطنين بها فى فساد الفيفا.
فى مصر استشرى الفساد، وكاد أن يدمر الدولة بأكملها، ليس فقط لأنه يهدم مؤسسات الدولة، لكنه يهدم ثقة المصريين فى الدولة ومؤسساتها، لولا يقظة رجال الرقابة الإدارية الذين يتعاملون بمنطق الوطنية وحب البلد، وحمايته من كل فاسد ومرتشٍ وحرامى يحاول أن يشرعن لنفسه آلية خاصة به يتحصل من خلالها على أموال الشعب، فبمجهود رجال الرقابة الإدارية قفزت مصر 36 مركزًا دفعة واحدة فى مؤشر مكافحة الفساد والرشوة، بحسب الأمانة الفنية للجنة الوطنية التنسيقية للوقاية من الفساد، وشهد ترتيب مصر تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالعام الماضى، وقفزت مصر من المرتبة 101 إلى 65 عالميًا، وهو تصنيف يؤكد أن الدولة تسير فى الطريق الصحيح فى مواجهة الفساد والفاسدين.
«الفساد خسارة عليك وعليا.. مصر أقوى من الفساد»، هو شعار الحملة الإعلامية التى تم إطلاقها مؤخرًا تنفيذًا لتعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتبنى استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد ستستمر لنحو 3 سنوات، وذلك بمنع استغلال أى موظف لمنصبه فى الحصول على منافع شخصية، من خلال إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، ووضع خطط تتناول كل جوانب ومظاهر الخلل والفساد، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية واللجنة الخاصة بمكافحة الفساد بوزارة العدل، وما تمثل أيضًا فى الإجراءات الحاسمة لردع الفساد.
نحن إذن أمام استراتيجية يسهر على تنفيذها من لديهم القدرة على مواجهة الفساد والفاسدين، ومن يمتلكون أيضًا الذكاء الذى جعلهم يشركون الشعب فى هذه الاستراتيجية، لكى تكون استراتيجية وطنية شعبية وليست مقصورة على إدارة أو مجموعة معينة، ويكفى أن نشير إلى أنه منذ إطلاق هذه الاستراتيجية زادت قضايا الفساد التى تم كشفها، فخلال الأشهر الأربعة الماضية أسفرت جهود هيئة الرقابة الإدارية عن ضبط 687 جريمة فساد شملت 3 آلاف متهم أحيلوا للنيابات، كما فحصت الهيئة 547 شكوى، ونسقت مع المسؤولين بالدولة لاتخاذ اللازم بشأن أوجه الخلل والقصور فى مواقع الإنتاج والخدمات، وإجراء التحريات عن 1757 مطلبًا من قطاعات الدولة المختلفة، ونتج عن هذه التحركات أن حققت جهود الهيئة عائدًا ماديًا، بتحصيل ما قيمته نحو 926.93 مليون جنيه، ناتجًا عما تم فحصه من موضوعات، وما تم ضبطه من قضايا.
وبجانب مكافحة الفساد، لا يمكن أن ننسى الدور الآخر الذى تقوم به الرقابة الإدارية، وهو تذليل العقبات التى قد تكتنف عمل المستثمرين فى مصر، والعمل على إيجاد حلول سريعة وفعالة لحل مشاكل المستثمرين، وبما يضمن توفير المناخ اللازم لجذب واستدامة الاستثمارات، فضلاً على الدور الخدمى، المتمثل فى عرض المضبوطات للبيع للجمهور، مثلما حدث مؤخرًا فى بورسعيد حينما قامت بعرض مضبوطات الأرز التى تم ضبطها بحيازة التجار الممتنعين عن البيع للمواطنين بسعر 4.5 جنيه للكيلو.
المجهود الذى يقوم به رجال الرقابة الإدارية يستحق كل التقدير والاحترام، ويؤكد أن الحديث عن مكافحة الفساد أو الحرب عليه ليس مجرد شعارات ترفعها الدولة، إنما هو يقين وأمر واقع تعيشه الدولة.