أتعجب من بعض الذين يرددون عبارات على طريقة: كيف تغلقون المساجد في أوقات الاعتكاف وتمنعون صلاة التهجد؟ في الوقت الذي تستقبل فيه آلاف المساجد على مستوى الجمهورية ملايين المصلين، وتفتح أبوابها، وتخدم كل من يريد أن يؤدى فرائض الله، لكن الاعتكاف له طبيعة خاصة، ويحتاج استعدادات مختلفة، حيث يتحول المسجد إلى مكان للمأكل والملبس والمشرب ثم النوم لخدمة من يعتكفون أو يقومون الليل، ثم ينامون حتى الظهيرة!
الحقيقة أن وزارة الأوقاف خرجت منذ عدة أيام ببيان شديد الأدب يراعى خصوصية الشهر الكريم، ويحترم عادات المجتمع المصري في رمضان، وأكدت أن الاعتكاف ممنوع هذا العام، نظراً لدواعي الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا، وخوفاً من انتقال العدوى بين المعتكفين، وما قد يترتب على ذلك من انتشار للعدوى، ومع ذلك شنت المجموعات المأجورة على الفضاء الإلكتروني حرباً شعواء، الهدف منها نشر الفوضى وإشاعة الفتنة، لذلك كان لزاماً أن نوضح بعض الحقائق والمعلومات في هذا السياق.
بشكل شخصي لا أحبذ أن تستقبل المساجد المعتكفين في العشر الأواخر من رمضان أو في غيرها، ارتباطاً بعدد من الأسباب أرصدها في السطور التالية:
أولا: حالة الفوضى التي يخلقها المعتكفون داخل المساجد من مأكل وملبس ومشرب، وما يسبق ذلك من عمليات إعداد طعام، ومنذ سنوات بعيدة كنت أتقزز من مشهد الأطباق والأواني الملقاة على الأرض، ورائحة الطعام التي تملأ أركان المساجد، فهذا ليس إلا اعتداء على الحالة الروحية التي يعيشها المسلم داخل المسجد.
ثانياً: المعتكفون يصلون ليلاً وينامون نهاراً، ولا يخرجون للعمل أو إعالة أسرهم وذويهم، في وقت نحن أحوج فيه للعمل والسعي، خاصة أهل القرى الذين يعملون بالزراعة والأنشطة اليومية المرتبطة بها.
ثالثاً: - الاعتكاف في الماضي كان يتم توظيفه لأغراض سياسية، وكانت جماعة الإخوان الإرهابية تدفع بأنصارها إلى المساجد لاستقطاب الشباب، وبث أفكارها خلال هذه الفترة من العام، خاصة أن مدخل التهجد والاعتكاف والبقاء في المسجد لعدة أيام، قد يكون براقاً للشباب الصغار، الذين يستهويهم هذا الفعل، ثم يسهل تجنيدهم بعد ذلك وتحميلهم بالأفكار المتطرفة.
رابعاً: العادات والسلوكيات التي يتبعها البعض في المساجد خلال فترات الاعتكاف تحتاج إلى مراجعة، مثل إضاءة الأنوار ليلا ونهاراً، وتشغيل أجهزة التكييف والمراوح على مدار الساعة، الأمر الذي يترتب عليه استهلاك كهرباء مضاعف، وهذا بدوره يكلف الدولة عشرات الملايين.
كل التحية للدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، على قراراته الجريئة دوماً، التي لا تتفق مع هوى أهل الشر، الذين يريدون إشاعة الفوضى ويستهدفون السيطرة على المساجد، كما كان الأمر في الماضي، لكن الانضباط والنظام الذي تدار به المساجد الآن جعلها في قبضة الدولة، ومنع المتطرفون من استهدافها أو توجيهها أو اختطافها أو إخراجها عن دورها الأصيل كبيوت لعبادة الله، وقد اعتدنا من وزير الأوقاف على القرارات الحاسمة، فقد نجح مؤخراً في تحرير المساجد من صناديق جمع التبرعات، التي كانت تستغل في أغراض نعلمها جميعاً، ودشن مشروعاً ضخماً لصكوك الإطعام من أجل توفير اللحوم للفقراء والمساكين.
أتمنى أن يتوقف البعض عن المزايدة، ويراجعوا التاريخ جيداً، وما كان يحدث في المساجد خلال فترات الاعتكاف، وكيف كان حجم المخالفات التي تتم، وأقولها صريحة: من أراد أن يتقرب إلى الله فعليه بالصدقة، ومن أراد أن يتهجد فليجعل لبيته نصيباً، كما جاء في حديث أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم" ومن هذا المنطلق أتمنى أن تضرب وزارة الأوقاف بيد من حديد على كل من يخالف قرار منع الاعتكاف في المساجد، إعلاء لمصلحة البلاد والعباد.