الزواج قضية خاصة جداً، ترتبط بشخصين قررا العيش معاً بكامل الإرادة في مختلف الظروف، تحت ميثاق المودة والرحمة، وإن كان من الناحية الشرعية يتحقق بالعلانية والإشهار، إلا أنه بالتأكيد ليس وسيلة لإفقار الناس والقضاء على أموالهم ومدخراتهم، ودعوة للاستدانة والحاجة، فالموضوع أسهل وأبسط من هذا التفكير، ويجب أن يدار بكثير من المنطق والحكمة، في فترة هي الأصعب في تاريخ العالم من حيث معدلات التضخم، وما قد يتبعها من انكماش في الاقتصاد العالمي.
نفقات الزواج باتت أحد القضايا المؤرقة للأسرة المصرية، لدرجة أن "قوائم المنقولات" في الريف المصري، الذي يعتبر جزء غير محدود من سكانه تحت خط الفقر، باتت تشمل مبالغ خيالية، فقد تجد قائمة زواج بنت مواطن بسيط تتجاوز الـ 500 ألف جنيه، نتيجة المطالب غير المعقولة والنفقات الهائلة التي صارت جزءا من الوجاهة الاجتماعية، ووسيلة للحكايات والنميمة في أوساط القرية، فالكل يذهب إلى أعداد السيارات التي نقلت "العفش" والأجهزة الكهربائية والسجاد والستائر والملابس بأنواعها، وأطقم المطبخ والنيش بمستلزماته والمفروشات والبطاطين، والـ 100 فوطة، التي صارت علامة مميزة للزواج في القرية المصرية.
مبادرة طيبة قدمها أهالي مركز سمسطا في محافظة بني سويف تستهدف تقليل نفقات الزواج وتيسيرها بالشكل الذي يضمن التخفيف من الأعباء عن كاهل العروسين، وقد جاء من أهم بنود هذه المبادرة، التي شارك فيها نحو 300 عائلة وأسرة من أبناء هذا المركز، ضرورة إلغاء النيش والبوفيه، والاكتفاء بالأجهزة الكهربائية الضرورية في المنزل فقط، واقتصار الخطوبة على أهل العروسين فقط، دون وجود داع لحفلات أو مصروفات إضافية، وكذلك تقليل قيمة "الشبكة" والمشغولات الذهبية، خاصة بعد ارتفاع سعر الجرام إلى نحو ألف جنيه تقريباً.
مبادرة أهالي مركز سمسطا جيدة وممتازة وتدخل في إطار الوعي المجتمعي، وتلقي بحجر ثقيل في مياه العادات والتقاليد البالية، التي خلقتها الضغائن والأحقاد بين الناس وصنعتها الكراهية، ولم يأمر بها الدين أو العرف، لذلك يجب دعم هذه المبادرات بكل قوة ومضاعفة تأثيرها، والسعي نحو توسيع دائرة تطبيقها في مختلف المحافظات، خاصة بعدما تحولت تكاليف الزواج إلي سبب كبير لعزوف عدد غير محدود من المواطنين عن الفكرة، سواء كانوا من الذكور أ والإناث، فالكل يتألم من ارتفاع التكاليف.
على المستوى الشخصي أتصور أن الزواج يجب أن يكون فقط للقادر على مسئولياته ونفقاته، ولمن يستطع إليه سبيلاً، خاصة أن المشكلات الاقتصادية بعد الزواج هي أكبر الأسباب التي تؤدى إلى الطلاق، ولهذا السبب يجب ألا يتصور الشباب والفتيات أن الزواج نهاية الطريق، بل بدايته التي تحتاج إلى تحمل مسئوليات كبيرة وتبعات ضخمة، ووعي بطبيعة هذه المرحلة، التي تتشكل خلالها قدرة الإنسان على مواجهة أعباء الحياة، وخبرته في إدارة أمور أسرته، وتدبير احتياجاتها بالصورة التي تكفل لهم حياة أفضل في الحاضر والمستقبل.