دخل النبى عليه الصلاة والسلام على السيدة فاطمة وهى تبكى بعد استشهاد جعفر بن أبى طالب فى موقعة مؤتة، وتقول: «واعماه»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على مثل جعفر فلتبك الباكية».
حدث ذلك فى موقعة «مؤتة» بعد الهجرة بثمان سنوات، عندما أرسل النبى جيشا إلى الروم، وقال لهم: «عليكم بزيد بن حارثة، فإن أصيب زيد، فجعفر بن أبى طالب، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة»، وحين بدأت المعركة، قتل زيد بن حارثة، فأخذ جعفر الراية من يد زيد، وأخذ يقاتل ببسالة بالغة وسط صفوف الروم، وأخذ يردد بأعلى صوته: «يا حبذا الجنة واقترابها طيبة، وَبارِد شرابها، والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها».
وأصيب جعفر وقطعت يمينه، فلم يتوقف، أخذ الراية بشماله فقطعت شماله، فلم يتوقف ورفض أن تقع الراية على الأرض، فاحتضنها بعضديه حتى استشهد جعفر، وعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم، حزن عليه ولقبه بالشهيد الطائر.
ويقول عبدالله بن عمر: «تفَقَدنا جعفر يوم مؤتة، فوجدنا فيما أقْبَل مِن جسمه بضعًا وتِسْعِين جرحًا ما بَين ضَربَة سَيْف أو طَعْنَة رُمح أو رَميَة سَهمٍ».
يحتفظ التاريخ الإسلامى لجعفر بن أبى طالب بأشياء كثيرة عظيمة، لكنه يرتبط أكثر بهجرة الحبشة، لأنه لما هاجر المسلمون أرسل أهل قريش خلفهم من يردهم، وكان عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبى ربيعة فأتيا النجاشى وقدما إليه الهدايا التى استطرفها، وأعجب بها ثم كلماه فقالا: «أيها الملك إنه قد آوى إلى مملكتك طائفة من أشرار غلماننا قد جاؤا بدين لا نفهمه نحن ولا أنتم، ففارقوا ديننا ولم يدخلوا فى دينكم وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، وهم أعلم الناس بما أحدثوه من فتنة»، فأرسل النجاشى يدعو المسلمين للقائه، فاتفقوا على أن يتكلم جعفر بن أبى طالب، ولا يتكلم أحد غيره.
فقال النجاشى: «ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا»، فألقى جعفر بن أبى طالب نظرة محبة على الملك، وقال: «أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، حتى بعث الله رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى عبادة الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم الله علينا وأحللنا ما أحل لنا».