- يا نفس إلا تُقتلى تموتى
خلق الله الصحابى الجليل عبدالله بن رواحة بقلب شاعر ويد فارس شجاع، ورزقه إيمانا عظيما حتى إنه يوم خرج إلى «مؤتة» لملاقاة الروم وكان ثالث ثلاثة «زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب» وبعد أن بدأت المعركة وجد نفسه مسؤولا عن حمل راية رسول الله بعد استشهاد صاحبيه أنشد يقول «يانفس إلا تُقتلى تموتى/ هذا حياض الموت قد صليت/ وما تمنيت فقد لقيت/ إن تفعلى فعلهما هديت»، وكان المسلمون قد بدأ يدب فيهم الفزع بعد أن رأوا العدد الرهيب لجيش الروم، فشجع هو الناس وصرخ قائلا: «يا قوم ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة»، واستمر يقاتل حتى أصاب الشهادة، حدث ذلك فى موقعة مؤتة فى السنة الثامنة الهجرية.
حظى الأنصارى القدير عبدالله بن رواحة الذى يصفه المؤرخون بأنه كان أول الخارجين للجهاد وآخر الراجعين منه، بتوثيق يليق به فى الكتب التى تقص حكاية مجىء الإسلام العظيم، فتحكى كتب السيرة أن النبى، عليه الصلاة والسلام، عندما دخل مكة قاصدًا العمرة كان عبدالله بن رواحة آخذا بخطام ناقة النبى منشدا: خلوا بنى الكفار عن سبيله/ خلوا فكل الخير فى رسوله/ يا رب إنى مؤمن بقيله/ أعرف حق الله فى قبوله»، وكان معروفا بقسوته فى الهجوم على المشركين مستخدما موهبته الشعرية فى مقابل جمال مدحه للنبى فهو يقول فيه «أنت النبى ومن يحرم شفاعته/ يوم الحساب فقد أزرى به القدر»، أما نقده للكفار فقد جعل سيدنا عمر بن الخطاب يقول له ذات مرة: «كيف تقول هذا الكلام فى حضرة النبى وهم أقاربه ونسبه؟»، فقال له النبى: «خل عنه ياعمر، فو الذى نفسى بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل»، كما كان ابن رواحة رجل البشرى فى الإسلام، فيوم معركة بدر أرسله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد انتهائها إلى المدينة المنورة ليبشر المسلمين بالنصر.
كان يتمنى الشهادة ويذكرها كثيرا، فيوم خروجه إلى مؤتة أنشد يقول: «لكننى أسأل الرحمن مغفرة/ وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا/ أو طعنة بيدى حران مجهزة/ بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا»، وقد أثنى عليه النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال فيه: «رحم الله عبدالله بن رواحة، إنه يحب المجالس التى تتباهى بها الملائكة»، وقال فيه أيضا: «نعم الرجل عبدالله بن رواحة».