أقترح أن تخصص الحكومة فى كل مستشفى، فى بر مصر من أسوان لراس التين، عنبرا لضحايا تصريحات محافظ البنك المركزى؛ بجانب عنبر ضحايا البورصة المصرية..!
المشكلة الوحيدة التى قد تواجه الحكومة هى أن ضحايا البورصة قد لايتجاوز عددهم بضعة آلاف..يعنى مقدور عليهم ..لكن ضحايا تصريحات معالى المحافظ هم كل الشعب المصرى بأطفاله وشيوخه ورجاله ونسائه..الهاجع منهم والناجع والنايم على صرصور ودنه..!!
وإذا كان "كتالوج" محافظ البنك المركزى فى أى مكان فى العالم، من الهند والسند من البلاد التى تركب الافيال الى البلاد التى تركب المرسيدس، يؤكد أن المحافظ عليه أن يلتزم الصمت التام ؛ لأن كلامه فيه سم قاتل..فإن المحافظ عندنا لايلتزم بالكتالوج بل يصر على أن يتكلم مهما كلف ذلك البلاد والعباد من خسائر..!
وإذا كنت قد كتبت فى نفس هذا المكان منذ عدة أسابيع عن " أبواب جهنم التى فتحها محافظ البنك المركزى" منتقدا الحوار الطويل الذى أجراه المحافظ مع إحدى الفضائيات؛ والذى تدخل فيه كخصم فى إحدى الصفقات التى كانت تتم آنذاك فى السوق ، والتى توقفت تقريبا الآن وقيل إنها فى طريقها للفشل، وإصراره على تحديد سن معين لرؤساء البنوك، وهو القرار الذى أوقفه القضاء منذ أيام..فإننى أكتب اليوم، منتقدا أيضا، ما قاله المحافظ فى آخر حوار له مع إحدى الصحف اليومية ؛ والذى ألمح فيه تلميحا قويا، يصل إلى حد التصريح، عن اعتزامه خفض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار مرة أخرى مبررا ذلك بالعديد من المبررات التى ساقها خلال الحوار..
وقال المحافظ ،ضمن ما قال، إنه سيتخذ القرار وهومستعد لتحمل نتائجه.
وليسمح لى المحافظ أن اختلف معه فى مجمل ما قال؛ خاصة حكاية أنه مستعد لتحمل النتائج..فهو لن يتحمل شيئا بل إن الشعب المصرى كله هو الذى سيدفع فاتورة قرار رفع سعر الدولار..
ولماذا نذهب بعيدا ..فبعد نشر تصريحات المحافظ أصابت السوق حالة من الشلل ، وتوقف حائزو الدولار عن بيعه إنتظارا للسعر الجديد .. على الرغم من أن سعر الدولار فى السوق السوداء تجاوز ال 11جنيها ..كما قام بعض التجار والمستوردين برفع أسعار السلع المستوردة عشوائيا..تحوطا للإرتفاع الجديد فى سعر الدولار..الى آخر ذلك من السلوكيات والتصرفات الإنتهازية، التى لاحصر لها، لبعض التجار معدومى الضمير.
الأمر الآخر أنه من قبيل الصدفة، التى هى خير من ألف ميعاد، أن كلام محافظ البنك المركزى عن إعتزامه خفض قيمة الجنيه يتعارض تماما مع قرار البنك المركزى ، الذى اتخذ منذ أسبوعين فقط، برفع أسعار الفائدة..!
فقرار رفع الفائدة يهدف الى خفض معدلات التضخم التى تجاوزت 12%..أما قرار خفض قيمة الجنيه فسيؤدى الى زيادة معدلات التضخم أعلى من ال12% بكثير.. نعم أقول بكثيييييير..!
ولعلنا هنا نتساءل ماذا يريد البنك المركزى بالضبط : هل يريد خفض معدلات التضخم..أم زيادتها..؟!! يعنى بالبلدى كده عايز يفتح الشباك وللا يقفله..؟!
هناك كلام كثير يمكن أن يقال عن التناقضات الصارخة بين كلام المحافظ وأفعاله ؛ لكننى سأكتفى فقط
بهذه الملاحظة السريعة لتصريحات محافظ البنك المركزى الأخيرة وهى كما نرى خطيرة وستدفع بالسوق وبالمتعاملين فيه الى نفق مظلم لايعلم إلا الله عز وجل نهايته..
وقد كنت أتمنى ، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أن يجنبنا المحافظ الوقوع فى هذا المأزق بالتريث قليلا وكبح جماح شهوة الكلام؛ خاصة وأن كلامه لابد أن يوزن بميزان الذهب .. فأى كلمة منه ، بل أى إشارة أو حتى همسة، لها مدلول قد يفيد السوق أو يضره..لذلك كله كنت أتمنى لو إلتزم المحافظ الصمت .. وسكت عن الكلام المباح ..
عموما لا أملك بهذه المناسبة، غير السعيدة، إلا أن أهدى المحافظ الأغنية الخالدة لعمنا بيرم التونسى: "ياأهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله"..وكفاية كده لإن باقى كلمات الأغنية لن تعجب المحافظ..ربنا يجعل كلامنا خفيفا عليه..!