تعد ثورة 23 يوليو أحد أهم الانتقالات التاريخية في شعب مصر، بل و من أبرز الأحداث التاريخية عموما في التاريخ المصرى، وذلك لما أحدثته من نقلة نوعية كبيرة في شكل وتخطيط مصر، كونها كانت فارقة في الاختيارات التي تهم المصريون بأسرهم، وحيث مثلت ثورة 23 يوليو انتصارا لطبقة الكادحين والفقراء في مصر، والتي بدأت بفكرة اسقاط الملكية، ثم الاتجاه لتأسيس الجمهورية الأولى والتي اعتمدت على المصريين الذين عانوا على مدار عقود من الفساد والإهمال والتجاهل، وذهب خيرهم إلى طبقة واحدة التي تحيط بالملك والأسرة العلوية.
كانت انحيازات ثورة 23 يوليو منذ البداية، أنها تتجه لتطبيق أحلام الفقراء، ومن بينهم رجال الثورة أنفسهم، وهم شباب الجيش المصرى الممثل في الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه، لذلك كانت اختيارات الثورة تدور حول فكرة دعم المطالب الشعبية التي تعود بالحقوق لأصحابها، ومنها فكرة توزيع الأراضى الزراعية على الفلاحين، بالإضافة للاتجاه نحو التصنيع الشامل في كافة المناحى، وهى المصانع التي لازالت حتى الان يستفيد منها المصريون، ثم كان الاتجاه الأقوى نحو فكرة استقلال القرار ودعم موقع مصر التاريخى والجغرافى والذى كان متراجعا قبل ذلك.
واستطاعت ثورة 23 يوليو في القضاء على كافة أشكال الاحتلال سواء كان احتلال الانجليز أو احتلال الفساد والإهمال، ومنها على سبيل المثال فكرة الغاء الألقاب والتي كانت عنوانا لتمييز اجتماعى في غاية الخطورة حينها، بالإضافة إلى إجلاء الانجليز من مصر بعد احتلال دام لأكثر من 70 عاما، ثم عملية التأميم و التمصير لكل مؤسسات الدولة الوطنية، وهى كلها قرارات تأسيسية تتماشى مع روح المصريين وطابعهم، الذى يرفض الذل والهوان والانصياع، ولذلك يعد جمال عبد الناصر أيقونة شعبية مازالت توضع صورها في المنازل وترفع في الميادين، و خير مثال ما قاله الرئيس الصربى منذ عدة أيام خلال زيارة الرئيس السيسى لدولة صربيا، حينما أشار بأن شعب دولته يحب جمال عبد الناصر.
وكما تميز عصر الراحل جمال عبد الناصر بفكرة الحشد والاصطفاف الوطنى، والتي جعلت الأغانى العظيمة بصوت أم كلثوم وغيرها لا زالت تعيش بيننا، فإننا أيضا يمكننا رصد كثير من الأسس التي وضعتها ثورة 23 يوليو و التي ساهمت في الحفاظ على مصر حتى الآن، بل يمكننا أن نعتبر أن ثورة 30 يونيو هي موجة تالية من موجات ثورة 23 يوليو، ولذلك ففي عيد ثورة 23 يوليو نقول للشعب المصرى كل عام وأنتم بخير.