بصرف النظر عما أثير حول تلك الفضيحة المجلجلة فى امتحان مادة التاريخ فى الثانوية العامة، والأزمة التى تسبب فيها واضع الامتحان الذى أثبت أن منظومة المراجعة والتدقيق فى مصر «بعافية»، وأن نكسة التعليم التى نعيشها الآن لم تأت من فراغ، لكن من حسن الحظ أن تداول ورقة أسئلة هذا الامتحان أتاحت لى الاطلاع عليها، وبالتالى أثارت العديد من الأسئلة حول الواقع التعليمى فى مصر، وكيفية نشأة الطلاب الفكرية.
سأبدأ بما أثير حول ورود بعض الأخطاء فى ورقة الأسئلة التى نشر البعض تصريحات منسوبة إلى مسؤولى وزارة التربية والتعليم تؤكد صحتها، والسؤال الخاطئ يقول: اذكر أسباب عقد مؤتمر الجزيرة عام 1878، فى حين أن التاريخ الصحيح للمؤتمر كان عام 1906، وهو خطأ «مراجعة» من وجهة نظرى، لأنه من الجائز أن يخطئ واضع الامتحان أو يرتبك أو يلتبس عليه الأمر، لكن أن تمر هذه الورقة هكذا دون يتم تصحيح الخطأ فهذا أمر غريب.
الخطأ الثانى من وجهة نظرى أفدح من الخطأ الأول، فيجوز أن يلتبس الأمر على الواحد فى كتابة الأرقام، أما أن يلتبس الأمر على واضع أسئلة الثانوية العامة ويخلط بين حاكمين مصريين فهذا أمر أكثر غرابة، فالامتحان يقول إن دور الملاك فى مصر تعاظم فى عهد الخديوى توفيق، فى حين أن المعلومة الصحيحة، بحسب كتاب الوزارة، هى أن دور الملاك تعاظم فى عهد الخديوى إسماعيل وليس الخديوى توفيق، وفى الحقيقة فإن هذا الخطأ لا يعد فضيحة للوزارة فحسب، وإنما يعد فضيحة أيضا للمنظومة التعليمية التى تعتبر أى خروج عن الكتاب المدرسى خطأ، وهذا ما وعاه الطلبة جيدا، للأسف، واعتبروا أن القول بتعاظم دور الملاك فى عهد الخديوى توفيق أمر خاطئ، برغم أنه من المنطقى أن يتعاظم دور الملاك فى العصرين، وأنه لا يوجد شىء يمنع من استمرار ظاهرة ما فى عهدين مقاربين أو متتاليين مثل عهدى إسماعيل وتوفيق، وللأسف هذه بضاعة الوزارة التى عودت الطلبة على الحفظ والنقل وعدم إعمال العقل فأصابوها فى ورقة الأسئلة.
أما السؤال الذى توفقت أمامه كثيرا فهو ذلك السؤال الخاص بثورة يوليو 1952 إذ يقول السؤال: ما رأيك فى تحقيق ثورة يوليو 1952 للعدالة الاجتماعية؟ وفى الحقيقة فإن موضوع السؤال لم يكن هو سبب توقفى عنده وما أوقفنى عنده هو «شكل السؤال» إذ يسأل المختبر الطلبة عن «رأيهم»، وهو أمر يدعو للاحترام، لكن ترى لو كتب أحد الطلاب رأيه الشخصى فى هذا المجال، ولم يلتزم بـ«رأى الوزارة» فهل سينال درجة الإجابة أم سينال صفرا كبيرا؟
هذا هو السؤال الذى أتمنى أن تجيب الوزارة عنه.