المشكلة أكبر من القانون فهى فى الأفكار الخاطئة والتقصير فى تطبيق القانون
لا شك أن كل منتمى إلى دين قد ورث دينه بلا اختيار ودون رفض، فهو لم يبذل أى جهد ولا سعى لأى معرفة عن هذا الدين ولا الأديان الأخرى، وهذا طبيعى فى سياقه الاجتماعى والتاريخى، وهذا يجعل كل واحد لا يسعى ولا يقرأ ولا يطلع على الأديان الأخرى، باعتباره عيبا وحراما بناء على قناعة ذاتية وجماعية مسبقة، فكتب الأديان الأخرى محرفة ومزيفة فهى ليست من عند الله، ويترتب على ذلك التمسك، وهذه القناعات أن يطلب كل صاحب دين من الآخر أن يأتى إلى دينه حتى لا يحرم من نعيم الجنة فى الآخرة، ونعيم السلام والأمان فى الدنيا، وهذا هو إحساس كل متشدد وكل متطرف تجاه الآخر الدينى، لذا نرى أن ممارسات كل المتشددين بكل تنويعاتهم يرفضون الآخر الدينى، ويعتبرون غير المسلم يستحق الجحيم الأبدى فى الدنيا والأخرة، لمجرد أنه ولد صدفة غير مسلم.
بالطبع فإن المتشدد المسيحى يقتنع أيضا على الجانب الآخر بأن المسلم وغير المسيحى لن يرى ملكوت السموات، ولكن الفارق هنا أن المسلم الرافض يحول الفكر إلى عمل، فيحكم وينفذ الحكم، كما يرى وفيما يرى وأين يرى، غير المسيحى الذى لا تخرج هذه الأفكار وتلك القناعات عن إطارها الفكرى، وإن ظهرت فى أقصى لحظاتها فى صورة تعصب لفظى أو رفض نفسى، ونتيجة للرفض العملى كانت ممارسات كثير من التيارات السياسية الإسلامية، ومنذ سبعينيات القرن الماضى، هى الاعتداء على الأقباط بهدف استحلال أموالهم والاعتداء على الكنائس وحرقها، تنفيذاً لأفكارهم الخاصة، وتطبيقاً لاجتهاداتهم الذاتية التى تجعلهم مقتنعين بتحريم بناء الكنائس بل ببقائها أصلاً، وحرق الكنائس بعد فض رابعة فى حالة غير مسبوقة، والاعتداء على الكاتدرائية فى حكم الإخوان أكد أنه لا فرق بين أحد فى تلك القناعات، خاصة ضد الكنائس، مما جعل هناك مناخاً يحفز البعض، خاصة فى المنيا والعامرية، حيث إن المنيا هى المحافظة التى أنجبت كل رموز التيار الإسلامى بجميع فصائله، كما أن الإسكندرية والعامرية يسيطر عليها التيار السلفى، ولا يخفى على أحد فتاوى برهامى الأب الروحى لهذا التيار، خاصة بالأقباط والكنائس وتحريم توصيل كاهن إلى كنيسة وتحليل توصيل شخص إلى خمارة، لذا وعند انفجار حادثة طائفية، خاصة الاعتداء على كنائس أو هدم وحرق مكان يقام فيه الصلاة لعدم وجود كنيسة، قد أصبح خبراً دائما، فهل تنفيذ الأفكار والمعتقدات، أياً كان صحتها، إلى أفعال مجرمة بالعرف وبالتاريخ وبوحدة الوطن وصحيح الأديان وإرادة الله بالتعددية إلى أفعال إرهابية لا تستحق تطبيق القانون؟ وأين النظام لحماية مواطنيه؟ وأين القانون وحقوق المواطنة؟ وأين الأقوال الجميلة والشعارات المنمقة؟ وأين الحزم والحسم فى مواجهة كل مسؤول متواطئ ولديه قدر كبير من الطائفية تجاه الآخر؟ وهل تكرار هذه الحوادث المهينة للجميع وللنظام خاصة فى الخارج ونحن نعلم تربص هذا الخارج الدائم واستغلاله لمثل هذه الحوادث، ألا تجعلنا نأخد موقفاً حاسماً وبالقانون؟ وأين نقاط الضعف وتلك السلبيات، ولماذا لا تعالج من كل المتشدقين بصحيح الدين وبالديمقراطية والمواطنة؟
لذا من يتصور أن صدور قانون بناء الكنائس سيحل أى مشكلة، فهذا تفكير أجوف لا يعرف الواقع ولا يعى المشكلة ويسير وراء شعارات، فهل قبل صدور قانون الكنائس لا يوجد قوانين تجرم هذه الأفعال؟ وهل صدور القانون سيمنعها وسيغير الأفكار ويلغى المعتقدات؟ فإذا كان هؤلاء لا يعنيهم القانون الآن ولا يضعون اعتبارا للنظام، فهل قانون الكنائس سيجعلهم مؤمنين ببنائها أم مع بقاء الفكر سيكون القانون حافزاً للنقيض؟ المشكلة أكبر من القانون، فهى فى الأفكار الخاطئة، والفكر الدينى غير المتجدد، والتقصير فى تطبيق القانون، وغياب الرؤية السياسية الشاملة لمواجهة تلك الأفكار، غير ذلك ستظل المشكلة وستتفاقم، وتمثل خطورة على الجميع. حمى الله مصر والمصريين من كل سوء ومن كل تطرف.