مساء الأحد الثالث من يوليو، بينما كانت الفرحة تملأ وجوه المصريين احتفالاً بمرور ثلاثة أعوام على الإطاحة بنظام الإخوان من حكم مصر، وعزل رئيسهم محمد مرسى، فرحة جمعت كل أطياف الشعب المصرى، وقف الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام المصريين، وبعد أوبريت غنائى يعبر عن دولة 30 يونيو، ليوقظ المصريين، على طريقة «انتهت السكرة وجاءت الفكرة».
الفكرة هذه المرة هى أنه «لأجل مصر ما تاخد مكانها الحقيقى..الانتصار مش كلام..الحكاية عمل وإخلاص فى العمل.. إوعوا تنسوا الرسالة دى»، هى رسالة قالها الرئيس السيسى كثيراً، لكن عادة التأكيد عليها هذه المرة فى احتفال المصريين بثورة 30 يونيو له مغزى واضح، وهو أن المصريين حينما ثاروا على نظام الإخوان «الفاشى» لم تكن ثورتهم على أشخاص النظام فقط، وإنما على الأوضاع الموجودة، ثورة تستهدف إعادة مصر إلى مكانها الحقيقى الذى تستحقه، المكانة التى حاول الإخوان القضاء عليها لصالح قوى إقليمية أخرى، أرادت الانقضاض على دور مصر إقليميا ودوليا.
المطلوب ليس فقط الاحتفال وإنما العمل، لأن الثورة لن تكتمل إلا بنقل مصر إلى المكانة التى تستحقها، وربما يكون ما قاله الرئيس خلال احتفال الأوبرا خير معبر عن ذلك، حتى وإن كان بصيغة بلاغية لكن يبقى الهدف الذى سعى له الرئيس هو أن تتحرك مصر للأمام، لذلك قال: «أنا مٌحمل برسالة من مصر، مصر بلدنا قالت لى لازم تبلغ الرسالة دى لأهل مصر..مصر بتقول لكم أنا أمانة فى رقبتكم.. لكل المصريين.. مصر تقول لكم إوعوا تختلفوا يا مصريين، مفيش سبب يدعونا للاختلاف.. إوعوا حد يضحك عليكم ويخدعكم يا مصريين، إوعوا حد يضيع بلادكم.. مصر تقول لكم أنا كنت سبب وجودكم 7 آلاف سنة، وبطلب منكم تخلوا بالكم منى كمان 7 آلاف سنة»، مضيفاً: «طلبت من الأطفال الصغار أن يخرجوا للأمام عشان مصر لازم تسعهم وتحميهم وتمنحهم الأمل بجد.. كل ما قيل من أغانى وأشعار بقاله 50 عاماً وكأنه مصنوع لليوم».
«مصر بتقولكم مكانى مش اللى أنا فيه، مكانى مش كده بقى.. أنا برضه حجمى كده بقى!.. أنا عندكم مش كده أنا متحوجش وانتوا هنا.. مصر بتقولكم أنا ما تحوجش.. يعنى مانكلش.. آه منكلش.. يعنى
مانمش.. آه مانمش.. لأجل مصر ما تاخد مكانها الحقيقى.. الانتصار مش كلام.. الحكاية عمل وإخلاص فى العمل.. إوعوا تنسوا الرسالة دى»، بهذه الرسالة لخص الرئيس ما يريده، بل ما نريده جميعا، فلا يليق بمصر أن تكون بالموقع الذى هى عليه الآن، «مصر مكانها أكبر وأعز من كده»، مصر بحضارتها وتاريخها وإسهاماتها لا يجب أن تبقى فى وضع اقتصادى صعب، ولا أن يتعالى عليها أحد، مصر كما قال عنها حافظ إبراهيم: «أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتى لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدى... ما رَمانى رامٍ وَراحَ سَليماً مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندى»، فهى بوصلة ومحور الشرق الأوسط، ومهما أصابها المرض فإنها باقية لن تموت.
مصر ستبقى بعمل أبنائها وعقولهم وسواعدهم، مصر التى انتصرت فى 30 يونيو على قوى التكفير والظلام، فإنها قادرة على مواجهة أكبر التحديات، مثلما رسمت سيمفونية رائعة فى تكاتف الجيش مع الشعب فإنها قادرة على الصمود.
لقد كانت 30 يونيو الفكرة التى نستمد منها القوة، فالجيش حينما تحرك تلبية لنداء الشعب الذى فاض به الكيل من جماعة الإخوان الفاشية ورئيسهم مرسى، تحرك الجيش بإيمان قوى أنه لن يرفض نداء الشعب، وخير وصف لما حدث ما قاله الرئيس: «المصريون من 3 سنوات تحركوا وأمروا وتم تلبية النداء.. مقدرش أقول الجيش لبى النداء.. الجيش والشعب يد واحدة.. لما الشعب يؤمر الجيش يلبى النداء.. الجيش لبى النداء، وفى يوم 24 يوليو 2013 طلبنا تفويض المصريين، وكان الهدف نقول للناس إن دى إرادة المصريين وشوفوا هيخرجوا ولا لأ، والناس لبوا الندء يوم 26».
الملايين التى خرجت للشوارع فى 30 يونيو، وأجبرت الجميع فى الداخل والخارج على احترام إرادة المصريين، قادرون على صناعة مجد جديد لمصر، لكنه هذه المرة ليس مجدا ثوريا، وإنما مجد تاريخى يعيد بناء تاريخ الدولة المصرية وإعادة موضعها مرة أخرى فى المنطقة، وهذا سيتحقق قريباً، ما دام لدينا إيمان ويقين بأهمية ذلك، وما دام لدينا قيادة تعى ذلك جيداً وتعمل عليه.