«اللهم إنى قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فقابلنى فى عبدالله بن الزبير بثواب الصابرين الشاكرين» كانت هذه دعوة أم هى السيدة أسماء بنت أبى بكر لابنها البار بها عبدالله بن الزبير، فبعدما اشتدت الأزمة عليه ذهب إليها وشكا خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم «ويقصد الأمويين» يعطونه ما شاء من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: «يا بنى، أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك، يلعب بها غلمان بنى أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق فما وهن الدين، وإلى كم خلودكم فى الدنيا؟ القتل أحسن.. فدنا منها، فقبل رأسها».
يحكى ابن كثير فى كتابه البداية والنهاية، أنه عندما جاءت سنة 73 هجرية كان أهل الشام يحاصرون أهل مكة، قاصدين مقتل عبدالله بن الزبير الذى لم يوافق على مبايعة يزيد بن معاوية ومن بعده عبدالملك بن مروان الذى أرسل إليه الحجاج بن يوسف الثقفى فى 20 ألفا من الشام، فنصب الحجاج المنجنيق على مكة، ليحصر أهلها، حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبدالملك، وحبس عنهم الطعام فجاعوا، وكانت الحجارة تقع فى الكعبة، وظل الأمر هكذا حتى قتل عبدالله وقطعوا رأسه وأرسلوه لعبدالملك وصلبوا جسده حتى مر به عبدالله بن عمر فقال: «أما آن لهذا الفارس أن يترجل، رحم الله ابن الزبير كان صوامًا قوامًا».
وروى ابن عساكر فى ترجمة الحجاج أنه لما قتل ابن الزبير ارتجت مكة بكاء على عبدالله بن الزبير، رحمه الله، فخطب الحجاج الناس فقال: «أيها الناس، إن عبد الله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب فى الخلافة، ونازعها أهلها، وألحد فى الحرم، فأذاقه الله من عذاب أليم، وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير، وكان فى الجنة، وهى أشرف من مكة، فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التى نهى عنها أخرجه الله من الجنة، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله».
لكن فى الحقيقة كان ابن الزبير أفضل مما قال الحجاج، لكنه رفض أن تصبح الخلافة الإسلامية تراثا يتوارثه بنو أمية بصالحهم وطالحهم، فقال لا فى وجوه القوم وأصر عليها تسع سنوات حتى قضى الله أمرا كان مفعولا.