"الشراكة".. عنوان هام هيمن على سياسات الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، ربما تجلى في أبهى صوره مع العديد من المشاهد، منها المشروعات التي تم الإعلان عنها مع ميلاد "الجمهورية الجديدة"، وكذلك قرارات الإصلاح الاقتصادي، التي حملت قدرا من الضغوط على كاهل المواطنين، جنبا إلى جنب مع الحكومة، إلا أنها كانت ضرورية، في إطار خطة إنقاذ، بعد سنوات الفوضى التي وضعت البلاد في أوضاع اقتصادية حرجة آنذاك، لتصبح الخطوات الإصلاحية لا مفر منها إطلاقا، لاستعادة التوازن، بل وكانت نقطة تحول مهمة، نحو الانطلاق إلى حقبة تنموية جديدة، عبر العديد من المشروعات العملاقة، التي تهدف في الأساس إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية لملايين المصريين، وعلى رأسها مبادرة "حياة كريمة"، والتي ساهمت في تحسين حياة قطاع كبير من المواطنين، الذي عانوا جراء التهميش لعقود طويلة.
ولعل المبدأ نفسه كان حاكما في مواجهة العديد من الأزمات خلال السنوات الماضية، ربما أبرزها جائحة كورونا، وما ترتب عليها من تداعيات كبيرة، تكفلت الدولة بالتعامل معها، عبر تعويض المتضررين، ممن اضطروا للبقاء في منازلهم، في إطار الإجراءات الاحترازية، وهو الأمر الذي لم تكن الدولة تستطيع إنجازه، لولا قرارات الإصلاح التي اتخذتها قبلها بعدة سنوات، بينما تجسدت المفارقة الجديرة بالملاحظة خلال تلك الفترة، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي إيجابية، خلال أعوام الوباء"، في الوقت الذي وصلت فيه أرقام أعتى اقتصادات العالم إلى معدلات صفرية، بل وسالبه، وهو ما يمثل أحد أهم ثمار الإصلاح، القائم على "الشراكة" الحقيقية بين الحكومة المواطن، في تحمل أعباء الوطن ومسؤولياته.
وهنا تصبح الإنجازات التي حققتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، نتيجة ليس فقط قرارات "صماء"، وإنما أيضا انعكاسا صريحا، لحالة من "الشراكة" المتكاملة، بين الدولة ومواطنيها، وهو الأمر الذي ربما دفع إلى توسيع دائرتها، عبر مسارين، أولهما التحول إلى التعامل في العديد من القضايا الاستراتيجية الأخرى، والتي ترتبط بالعديد من الملفات، التي باتت تمثل ليس فقط أولويات داخلية، وإنما تحظى باهتمام دولي كبير، على غرار قضية التغيرات المناخية، وسياسات الترشيد، والتي أصبحت بمثابة ضرورات ملحة من شأنها حماية، ليس فقط منطقة بعينها، وإنما الكوكب بأسره، بينما كان المسار الأخر قائما على فكرة توسيع دائرة المشاركة عبر دخول مؤسسات أخرى على الخط، على غرار الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدينية.
فلو نظرنا إلى قضية التغيرات المناخية، ربما نجد أنها تمثل نموذجا مهما لمبدأ "الشراكة" التي تعتمده الدولة المصرية، في الآونة الأخيرة، حيث اتجهت الدولة المصرية، نحو إطلاق مشروعات عملاقة "صديقة للبيئة"، في ضوء مسؤوليتها الدولية، بالإضافة إلى التوجه نحو تعزيز الاستدامة التنموية، وهو ما ساهم في اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ، والمقرر انعقادها في نوفمبر القادم، بينما نجد تحركات مهمة، لتوسيع "دائرة الشراكة"، عبر إشراك مؤسسات أخرى، لزيادة الوعي المجتمعي بأهمية احترام المعايير البيئية، في إطار حملات بمشاركة المؤسسات الدينية (الأزهر الشريف والكنيسة القبطية)، بالإضافة إلى تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في هذا الإطار.
الأمر نفسه ينطبق على سياسات الترشيد، التي تحولت إلى سياسة عالمية لمجابهة الأزمات الجديدة، على غرار نقص الغذاء والمياه والطاقة، والتي ترجع في جزء منها للتغيرات المناخية، بينما تفاقمت الأمور بصورة كبيرة مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، ليتحول مبدأ "الشراكة" من مجرد رفاهية سياسية، إلى ضرورة ملحة، في ظل إلزامية تعاون المواطنين مع الحكومات لمواجهة التحديات الجديدة، لتصبح الحالة المصرية هي أحد أكثر النماذج المرنة في هذا الإطار في ظل التوجه العام القائم منذ سنوات في العديد من القضايا الأخرى، في حين يبقى التعاون بين الجانب الرسمي، والمتمثل في الحكومة، من جانب، والغير الرسمي، في صورة المؤسسات الأخرى المشار إليها، أحد أهم أوجه "الشراكة" بين أطراف المعادلة المصرية.
وهنا يمكننا القول بأن "الشراكة" بين المواطن والدولة، شهدت مراحل عدة في السنوات الماضية، ربما انطلقت مع بداية عهد "الجمهورية الجديدة"، في دعم المواطن للدولة، سواء في مشروعاتها أو سياساتها، لإنقاذ بلاده بعد سنوات الضعف، بينما دعمت الدولة مواطنيها بعد ذلك في ظل الوباء، وكذلك عبر مشروع "حياة كريمة" لانتشال ملايين المصريين نحو حياة أفضل تتسم بآدميتها، في حين تحول الأمر إلى "شراكة" متعددة الأبعاد، بعد ذلك، عبر إشراك أطراف أخرى فاعلة في المجتمع، كالأزهر والكنيسة ومنظمات المجتمع المدني، لمواجهة حزمة من الأزمات المعقدة ذات الطبيعة الاستثنائية.