ماذا يعنى أن يخرج المسؤولون عن صفحات الغش وتسريب الامتحانات ليعلنوا عن نيتهم التلاعب فى نتائج طلاب الثانوية العامة؟ ماذا يعنى أن يتبجح الغشاشون بقولهم إن من استطاع تسريب الامتحانات قبل انعقادها بسبع ساعات يستطيع التلاعب فى درجات الطلاب ونتائج الثانوية العامة؟
يعنى باختصار أن المجموعة التى تطلق على نفسها شاومينج وتسرب امتحانات الثانوية العامة وتهدد بالتلاعب فى نتائج الطلاب، هى خلية تخريبية تعمل من داخل مؤسسات الدولة وتستهدف إثارة البلبلة وتأليب الناس وإضعاف سلطة الدولة وإحداث نوع من الغضب الشعبى وسط القطاعات العريضة من المجتمع، فالمعروف أن كل بيت مصرى فيه طالب فى الثانوية العامة أو على مشارف الثانوية العامة، وأن مصير هذا الطالب يتسبب فى إعلان حالة الطوارئ فى الأسرة كلها، تحشد من أجله الميزانيات والجهود ويتم تأجيل كثير من الأمور إلى أن ينتهى بنجاح من عبور عنق الزجاجة فى حياته التعليمية والمعبر الذى يحدد مصيره المهنى ويحكم حياته كلها، ولذلك فإن أى تهديد إضافى بتخريب هذا الملف أو بالتلاعب فيه، يمكن أن يحدث هزة قوية فى المجتمع، وشهدنا كيف خرج الطلاب فى مظاهرات حاشدة اقتحموا فيها مبنى وزارة التعليم احتجاجا على بعض الإجراءات التنظيمية لمواجهة فوضى تسريب الامتحانات، فما بالنا بانتشار شائعة التلاعب فى نتائج الثانوية العامة؟!
الخطير فى الأمر أن هناك موظفين ضعاف الذمة وعناصر تابعة لجماعة الإخوان المحظورة داخل وزارة التعليم وكنترولات المحافظات، وهو ما يمكن أن يسبب بعض التلاعب ونشره على مواقع التواصل، بهدف نشر الاضطراب والفتنة فى البلاد، وهذا الملف أمنى بامتياز، وينبغى التعامل معه بكثير من الاهتمام والحرص من قبل الداخلية والتعليم وسائر الأجهزة المعنية.
ننتظر إذن، من جميع المسؤولين أن يعرفوا كل كبيرة وصغيرة عن مسؤولى التعليم المعنيين بملف الامتحانات وخاصة الثانوية العامة، واستبعاد من ليسوا فوق مستوى الشبهات منهم، وكذا مسؤولو الكنترولات فى المحافظات المختلفة التى يسيطر على بعضها مدرسون معروفون بقلة الاهتمام والتوجهات المتطرفة منذ أكثر من عشر سنوات، ورغم ذلك يواصلون أعمالهم وكأن كل شىء على ما يرام.
القضية أكبر من وزير التعليم، ولو تقاعست مؤسسات الدولة مجتمعة عن التصدى لها وبأعلى درجات التنسيق والمتابعة، فلن تنجح وزارة التعليم ولا الداخلية ولا أى وزير، حتى لو كان شرلوك هولمز، على وقف التسريب والغش الممنهج فى الامتحانات، ولا مواجهة التهديد بالتلاعب فى نتائج الثانوية، وعلى الذين يحللون ما يجرى فى امتحانات الثانوية أن يتوقفوا قليلا أمام تصريحات الوزير التى أعلن فيها إحالة 400 قضية للنيابة الإدارية والنيابة العامة خلال الـ9 أشهر الماضية فقط.
الوزارة تقوم بأكبر عملية تطهير لصفوفها وإعادة تنظيم كوادرها الأساسية، ولو وضعنا تصريحات الوزير الأخيرة إلى جانب تفاصيل أكبر قضية لتسريب الامتحانات، وكيف أن المتهمين الرئيسيين كانوا من أقارب الموظفين الأساسيين بالمطبعة السرية، ومرتبطين بشبكة من المدرسين فى عملية تجارية مستمرة منذ سنوات، نعلم إلى أى مدى يتغلغل الفساد داخل وزارة التعليم حتى وصل إلى المطبعة السرية.
ليس مطلوبًا من وزير التعليم بمفرده أن يواجه مافيا الغش والتسريب والتلاعب فى النتائج داخل وزارته، وأن يطارد صفحات الغشاشين بدلا من الداخلية، وأن يضع تشريعا قانونيا لمواجهة وسائل التواصل الاجتماعى، سلاح الغشاشين؟! يكفى على الوزير، أيا كان شخصه، أن يطهر وزارته من الفاسدين والمرتشين والمنتمين لجماعة الإخوان، وأن يضع الكوادر والخبرات فى موضعها الصحيح لتطوير مناهج الوزارة، وأن يعيد التفكير فى أزمة الثانوية العامة من جديد، ولكن على البرلمان أن يجد الحل التشريعى الملائم حتى يمكن التعامل مع صفحات الغش والغشاشين بالسرعة المطلوبة، ولننظر فى تجارب الدول العربية والأجنبية التى استطاعت مواجهة أزمة التسريب فى الامتحانات المهمة، ولنتعلم من خبراتها، ومنها التجربة الجزائرية وكيف اتخذ المسؤولون الجزائريون قرارا بحجب مواقع التواصل وقطع الإنترنت، ولم يبالوا بالاعتراضات المجتمعية، على اعتبار أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.