سواء اعتذر تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، عن جريمة غزو وتدمير العراق عام 2003 أو لم يعتذر، فالتاريخ سطر بحروف من دم أن هناك جريمة مدبرة كاملة الأركان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير وطن واحتلاله وتشريد شعب وقتل أكثر من مليون عراقى وإعدام رئيس دولة، فى أكبر كذبة عرفها التاريخ.
الكذبة عرفها العالم فى وقتها ولم ينتظر تقارير دولية أو غيرها لكشف حقيقة الأسلحة النووية والكيماوية التى حشدت الولايات المتحدة معظم دول العالم لتدمير واحتلال واحدة من أقدم دول الحضارة الإنسانية. فبعد الاحتلال لم تظهر أسلحة الدمار الشامل ومرت السنوات ولم يظهر أى أثر لها. والجميع كان متأكدا من الكذبة والأكذوبة. فلم تكن هناك أسلحة ولا يحزنون وصمت العالم على الجريمة وعلى قتل الشعب العراقى وتدمير الدولة. فرنسا وحدها فى عهد جاك شيراك وقفت موقف الدول المحترمة التى عارضت لأسباب كثيرة حرب تدمير العراق.
منذ أبريل 2003 لحظة سقوط عاصمة الرشيد، وحتى ديسمبر 2011 وهو الموعد الذى أعلنت فيه واشنطن إعلان العمليات العسكرية والحرب رسميا فى العراق وانزال العلم الأميركى من فوق بغداد. لم يصدر تقرير واحد عن حقيقة الحرب ودوافعها حتى صدر تقرير السير شيلكوت رئيس لجنة التحقيق البريطانية عن حرب العراق التى تشكلت منذ سبع سنوات تقريبا.
مع صدور التقرير يوم الأربعاء الماضى ظن الاصدقاء فى عالمنا العربى أنه تقرير ادانه لرئيس الوزراء البريطانى وقت تدمير العراق تونى بلير، وتناول غالبية كتابنا التقرير من زاوية «التحليل بالتمنى» كما لو أن تقرير السير شيلكوت أدان بلير وبالتالى يجب محاسبته على الجريمة. وهو ما لم يحدث فى التقرير الكبير والضخم الذى ضم أكثر من مليون ونصف المليون كلمة.
هل هذه مفاجأة.. أم أنها الحقيقة التى لم نرد أن نراها ونعرفها.. مثلما تعاملنا مع اعتذار بلير على أنه اعتذار عن الحرب وجريمتها وليس عن تفاصيل وأخطاء تتعلق بالحرب والنتائج التى ترتبت عليها مثل قرار بول بريمر الحاكم المدنى الأمريكى للعراق بحل الجيش العراقى، أقوى جيش فى المنطقة فى ذلك الوقت.
لا تقرير السير شيلكوت أدان بلير ولا بلير اعتذر عن أصل الجريمة وهى غزو وتدمير العراق، فلم يرد فى التقرير أية إدانة ضد رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ولم يرَ التقرير قرار الحرب بأنه غير شرعى أو قانونى. ولم يطالب شيلكوت بمحاسبة بلير ولا حتى بالتحقيق معه ومحاكمته. ويبدو أن الترجمة العربية تغافلت عن أشياء كثيرة فى التقرير. فلم ترد كلمة واحدة عن كذب بلير على مجلس العموم البريطانى. التقرير على عكس أمنياتنا العربية برأ بلير من تهمة الكذب وقال بالنص «إن رئيس الوزراء نقل ما جاءه من تقارير للمخابرات البريطانية عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق».
تونى بلير أيضا لم يقدم اعتذارا علنيا وواضحا عن قرار الحرب والتدمير ولم يبدى ندمه وأسفه حتى على نتائج الحرب التى أفرزت الخراب والتدمير والتشريد والإرهاب فى المنطقة وكانت مقدمة حقيقية لظهور تنظيمات الإرهاب التى تعانى منها أوروبا.
أعود للبداية وأقول إنه سواء أدان التقرير بلير أو لم يدنه وسواء اعتذر رئيس الوزراء البريطانى أو لم يعتذر فالجريمة مازالت حيه لم تمت وقتل مليون شخص وإعدام رئيس دولة هى كلها جرائم لا تسقط بالتقادم والتاريخ شاهد عليها. وكلما ظهرت الحقائق حول الحرب كلما دفعتنا دفعا إلى الإحساس بالذنب ووجع الضمير كعرب فى أننا سمحنا ووافقنا ليس فقط على إزاحة صدام بل على إعدام وطن بأكمله.