"يحب المرء لأنه يحب، فلا يوجد سبب للحب" باولو كويلو، الروائي البرازيلي الشهير، متحدثاً عن حقيقة مهمة وسمة أساسية من سمات الحب، وهى أنه بلا أسباب، فقد تساعد شخصاً ما في إيجاد فرصة عمل، أو تقدم له التعليم والنصيحة، أو تمنحه المال والرعاية، أو تصنع له معروفاً أو جميلاً، لكن كل ما سبق لا يمكن أن يفرض عليه أن يحبك، فأهم ما يميز الحب أنه غير مشروط.
تثبت لك الأيام دائماً، خاصة مع تقدم العمر، أن كل حب مشروط كان زائفاً مصطنعاً، لارتباطه بغاية أو مصلحة أو هدف، وقد انتهى إلى غير رجعة بعد وصوله إلى نقطة لا يمكن أن يستمر معها، لذلك أرى أن أفضل الحب ما كان غير مبرر، فهو الأدوم والأبقى، والأصل في العلاقات الصحية السليمة في أي المجتمع، والباعث الحقيقي على وجود التراحم والتواصل الإنساني، والمودة والتلاقي بين الناس، ويقودنا دائماً إلى التحضر والرقي.
ما أقصده وأتحدث عنه في السطور السابقة لا يرتبط بالعاطفة الغريزية بين الرجل والمرأة، أو التلاقي العاطفي بمعناه المحدود، والتجارب التي نمر بها جميعاً، لكنه معنى أعمق وأكبر، ومدلوله أشمل وأدوم ارتباطاً بإشاعة روح الحب والتواصل بين الناس، وكبح جماح الانتقام أو الرغبة فيه، التي تتولد لدينا بين الحين والآخر، ظناً في قوة متوهمة، أو متاع لن يستمر طويلاً، لذلك لا يمكن أن تستقر الحياة بدون حب، أو أشخاص نكن لهم مشاعر خالصة لا ترتبط بحاجة أو منفعة.
في بعض الأحيان تتكون لدينا تصورات و ردود فعل مسبقة وأفكار مشتتة، لمجرد رؤية أشخاص أو التفاعل مع مواقف معينة، لكن هذه الرؤية غالباً ما تكون ضبابية وغير واضحة، فكم من أشخاص كانت علاقاتنا معهم في البداية قوية مترابطة، لكنها سرعان ما وهنت وتغيرت وأصابها الضعف والفتور، لذلك لا يجب أن نبني أفكارنا على تصورات انطباعية مؤقتة، ونعطي الفرصة لأنفسنا لاكتشاف الآخر.
أظن أن المجتمع المصري في حاجة شديدة إلى الحب والترابط والتواصل والتلاقي الإنساني، نحتاج صداقات حقيقية بلا أغراض أو هوى، نحتاج أن تسود علاقات المودة والاحترام، بديلا عن تلك السامة، القائمة على الغرض والمنفعة والمصالح، نحتاج إلى التخلص من النفاق والمداهنة والمجاملات الكاذبة، التي باتت علامة مميزة بيننا، لدرجة أن البعض صار يناصر الشر ويدعمه علانية، ليس إلا من أجل النفاق، والانتصار الزائف لأفكار ملوثة.
لا أجد خطراً على سلام المجتمع أكبر من غياب الحب، والسعي خلف الماديات المحدودة والمصالح الفردية، التي تغيب فيها مصلحة الجماعة، وتتجلى أنانية الفرد، وتختفي عنها المسئولية، وتكثر فيها مظاهر النرجسية وحب الذات، لذلك نحتاج إلى وقفة متأنية مع النفس، نحاول خلالها دراسة أبعاد ما نفعل ونقدم، وعلينا أن نعرف جيداً أن الحب لن يكلفنا شيء، لكن غيابه سيكلفنا كل شيء.