مما لاشك فيه أن التفوق التكنولوجى الذى تمتاز به وسائل الاتصال والإعلام المجال مكن لهيمنة هذه الوسائل وتسيدها الموقف بديلا عن وسائل الاعلام التقليدية، فالإنترنت وماتمتلكه من مزايا وفوائد أفادت فى مجالات الحياة شتى، لاسيما المجال الإعلامي، وحققت مالم تتمكن أية تقنية سبقتها من تحقيقها، وقد لاتتمكن أية تقنية تأتى بعدها من العمل والنجاح بمعزل عنها، بل إنها تعد فى عالم اليوم - الذى يخلط بين الواقع والفضاء التخيلى - الركيزة الأساسية للاتصال والتواصل فى العالم وأهم وسائل الاتصال الجماهيرى والشخصى فى آن واحد.
ولعل ما تتميز التكنولوجيا الحديثة من تفاعلية وإلغاء قيود المكان والزمان صنعت إعلاما جديدا أتاح للجميع التعبير عما يريدون بحرية تامة وأصبحت تطبيقات الإنترنت ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك أشهرها وأكثرها إنتشارا أهم وسائل الإعلام الجديد، بعد أن بات حائط صفحة فيسبوك الصحيفة التى تنشر السبق الصحفى للأحداث المهمة والمشاهير، كما أصبح منظومة إعلامية متكاملة لكل فرد لنشر ما يريد ليس بالنص فقط بل بالصوت والصورة، وبث الصورة الحية، فراح يدون فيها كل ما يريد بدءا من تفاصيل حياته (الشخصية والاجتماعية والعملية) .
وبعد أن كان الحديث يدور عن (الحق فى الاتصال) و(الحق فى المعرفة والحصول على المعلومة)، أصبح يدور حول حماية حقوق الإنسان من مخاطر الإعلام الجديد، لاسيما الحق فى الخصوصية (حرمة الحياة الخاصة) فبيانات المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية واتصالاتهم تخزن وتجمع وتعالج إلكترونيا، ليس من إدارة الشبكة والشركات المختصة فحسب، بل من كل من له القدرة والإمكانية على ذلك سواء كان من (الهاكرز) أو مزودى الخدمة او الحكومة أو دول وشركات أخرى، فضلا عن ما أتاحته هذه الوسائل من مزايا مكنت مستخدميها من انتهاك خصوصية بعضهم البعض ونشر ما يريدون تحت أسماء مستعارة، ودون وضع إعتبارات، لاسيما فى ظل عدم وجود قوانين وأخلاقيات تحكم هذه الوسائل ومستخدميها فضلا عن عالميته.
لقد باتت شبكات التواصل الاجتماعى التى يظن الناس أنها عالم مثالى يتفاعل فيه الأشخاص بشكل ودى واجتماعى ويتبادلون فيه الصور وتفاصيل حياتهم اليومية عرضة للعيون المتطفلة ذات النوايا التى يشوبها الخبث، واستغلت هذه المواقع الاجتماعية مثل (فيسبوك ومايسبيس وهاى فايف) فى عمليات احتيال وابتزاز واختطاف وإساءة نتيجة استغلال المعلومات التى تعرضها، ورغم وجود أقفال إلكترونية وآليات أخرى لتأمين هذه المواقع توجد حيل يمكن من خلالها لأطراف ثالثة الحصول على المعلومات الخاصة واستخدامها فى أغراض غير مشروعة مما يعرض الأمن الشخصى للأفراد للخطر.
وفى هذا الصدد حذر قرار حول حماية خصوصية الشبكات الاجتماعية وافقت عليه 37 دولة فى ستراسبورج الفرنسية عام 2008 من إمكانية تسرب البيانات الشخصية المتاحة على الصفحات الشخصية بهذه الشبكات عندما تفهرس باستخدام محركات البحث، وجاء فى القرار أن هذه البيانات يمكن استخدامها لارتكاب جرائم مثل الابتزاز والاختطاف إلى جانب التعرف على الجهات التى يمكن سرقتها وكذلك ارتكاب الأفعال الإباحية والاستغلال الجنسى والاحتيال المصرفى وغير ذلك من الجرائم، وللأسف لا توجد وسيلة لتوفير الحماية الكاملة للمواقع الاجتماعية غير أنه يمكن اتخاذ خطوات احترازية.
ترى الخبيرة فى قسم الهندسة بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة (جاكلين لوبيز بارينتوس) أن شبكات التواصل الاجتماعى بها ثغرات يدخل منها كثير من مستخدمى المعلومات المتاحة عبر هذه الشبكات، وأوضحت أنه رغم وجود وسائل لمنح التصريح بالدخول إلى الصفحات الشخصية للأصدقاء أو للمستخدمين الذين يوافق صاحب الصفحة على دخولهم فإن الوضع الفعلى هو أن صديق الصديق يمكنه أيضا الدخول إلى الصفحة من دون العلم بأهداف هذا الأخير أو نواياه، وأكدت (بارينتوس) وجود أبواب خلفية تعطى الآخرين الفرصة فى الدخول، وعلى سبيل المثال عندما ينتهى المستخدمون من تنفيذ تطبيق معين على الموقع لا يغلق بريدهم الإلكترونى أو الصفحة الموصولة بموقع التواصل الاجتماعى جلسة الاتصال ولكن يتم فقط إغلاق النافذة وترك الجلسة مفتوحة.
ومن هنا يكون بوسع أى متصفح لشبكة الإنترنت لديه نوع من برامج الكمبيوتر المستخدمة فى الاحتيال العثور على أنواع المواقع الإلكترونية والنفاذ إليها، واعتبرت المهندسة (بارينتوس) أنه لا توجد وسيلة لتوفير الحماية الكاملة للمواقع الاجتماعية، غير أنه يمكن اتخاذ خطوات احترازية، فالمستخدمون يضعون باختيارهم الحر معلومات على جميع مواقع الشبكات الاجتماعية، وهم لا يدركون أحيانا خطورة هذا الأمر، لذا فمن جهته يشير الخبير الأرجنتينى المتخصص فى مجال تأمين المعلومات على الإنترنت (فابيان تشيرا)إلى أن شبكات التواصل الاجتماعى تعد مثالا واضحا على أن الناس ليسوا على وعى كامل بعد بأهمية المعلومات التى يكشفون عنها على هذه الشبكات، وقال (تشيرا) إنه رغم تطبيق القوانين لحماية الأمن الشخصى على الإنترنتيضع المستخدمون باختيارهم الحر معلومات على جميع مواقع الشبكات الاجتماعية، وهم لا يدركون أحيانا خطورة هذا الأمر.
وأوضح أن ذلك لا يعنى أن على المستخدمين الانسحاب من المشاركة فى هذه الشبكات التى تضخمت فى الأعوام الأخيرة، ولكن يجب استخدامها بحذر وأن يكون المرء على وعى شديد بأهمية أى معلومات يضعها على الشبكات الاجتماعية، وأكد تشيرا أن الشخص الذى يسعى إلى سرقة المعلومات يقوم بالاتصال ويضيف الشخص المطلوب سرقة المعلومات منه إلى قائمة أصدقائه ويبعث برسائل بهدف كسب الثقة، وبعد فترة يبعث الشخص المستغل ملفا مع شفرة خفية بداخله ليستخدمها فى الدخول إلى جهاز كمبيوتر الضحية.
منذ أشهر وربما فى آخر ثلاث سنوات انتشرت ظاهرة غريبة فى الوطن العربي، أصبحنا نسمع عن فتاة تم ابتزازها من خلال شاب استغلها على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلها تحول له الأموال حتى تحافظ على سمعتها، وعندما عجزت عن دفع الأموال خسرت كل شيء، وكما سمعنا عن شباب يتم ابتزازهم بنفس الطريقة، وإن كان ضحاياه من الفتيات الأكثر إيلام، والأكثر نجاح فى سرقة الأموال، لم يكن خبر انتشار عمليات الابتزاز عبر الشبكة العنكبوتية بشكل عام ومن خلال مواقع التواصل، بأكثر من حافز لدى فى الوقوف عند هذه الظاهرة ومحاولة فهم كيف يقع الشباب والفتيات والمتزوجين والمتزوجات ضحية لهذا السلوك!
يقول الناشط السياسى والمفكر الإسلامى (أسامة خلف): رغم انتشار قصص الابتزاز فى معظم أرجاء الوطن العربي، بل أصبح هناك مواقع متخصصة لبعض الهواة ممن يقومون بعمليات الابتزاز من باب الفكاهة والضحك وأحيانا يطلقون مصطلح (الخاروف) على ضحية، وفى محاولة لفهم هذه السقطة التاريخية فى مجتمعاتنا العربية، قررت أن أمارس دور مبتز وأبحث عن ضحايا محتملين، وهل فعلا إن الموضوع سهل مع كل هذه الأخبار المشاعة، وضعت برنامج وخطة، حددت الأهداف والتى كان على رئسها معرفة كيف يسقط الضحية فى شرك المبتز!، وأين المنفذ الذى يمكن أن تصل إليه إلى ضحية؟.
ويضيف خلف: بعد متابعة بعض المواقع التى تحذر من مواقع الابتزاز تبين أن معظم العمليات تبدأ من موقع ألعاب أو تطبيقات ألعاب على مواقع التواصل الاجتماعى وليس على الموقع التواصل الاجتماعى الرسمي، دخلت إلى اللعبة واخترت اسم يحمله كل الجنسين، وبدأت بممارسة اللعب وتحديد أشخاص من كلا الجنسين ذكور وإناث عشرة من كل جنس كهدف محتمل، يمكن استدراجه ومعرفة كيف يتصرف؟ وما مقدار الوعى لديهم؟
لم يكن اختبار الشباب صعب، وكانت النتيجة صادمة بالنسبة لي، بمجرد الحديث مع شاب ولمدة ثوانى وفى أحسن حالات الصمود كل ما احتجت إليه هو دقائق، وفى لحظة تذكرت الشاب الأردنى (أنوس أبو شلحة، وجاسم رجب)، وكيف ينجحا بإيجاد ضحايا من الشباب بسهولة، رغم انتشار عشرات إن لم يكن المئات من مقاطع (خرفنة) شباب على حساباتهم الخاصة.
أما الحالة التى كانت تستحق الوقوف عندها هى الفتيات، حددت عشر فتيات كهدف وضحايا، وتم اختيار أكثر من أسلوب فى الحديث مع كل فتاة على حدى، لن أقف عند صفات كل شخصية من شباب المستخدمة وكيف كانت رد الفعل الفتيات، ولكن سأقف أمام أكثر حالات جعلت الفتيات تستجيب بل تذهب أبعد مما تتوقع، تلك الشخصية التى تكون على غير ما تظهر به، ذلك الشاب الذى يبدأ باختيار ضحية بدون كلام، الذى يدخل للعب فقط، تعتاد الفتاة على وجوده فى نفس اللعبة وفى أوقات تواجدها، وإذا ما دار الحديث بينهم يكون فى اللعبة فقط، ويظهر ذلك شاب علامات التدين والأخلاق العالية.
الأمر جد خطير ياسادة فهنالك شباب يسقطون بسهولة بدون عناء، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها عدم المقدرة على الزواج، وغياب القناعة، وانتشار الفساد الأخلاقى فى المجتمع، مع وجود الفن الهابط الذى أصبح يقدم مجموعة من عارضات الأزياء على أنها الفتاة ونموذج الذى يجب أن تحلم به كزوجة، وغياب دور الأسرة فى الرقابة والتوجيه، تعد عوامل أساسية فى بناء نموذج للشاب العربي، والحال ليس بأفضل بين الفتيات، فظلم الأسرى على الفتاة تحت مسميات عدة، واستغلال الفتاة من أجل تحقيق مصالح خاصة للأب وبعض الأخوة، وصولا إلى تطفيش كل من يتقدم لها، بحجة أنها متعلمة، ولديها عمل دائم، وعليه يجب أن يكون مهرها خيالى وشروط الزواج تعجيزية، وتعامل الفتاة فى الكثير من الحالات على أساس سلعة.
وعلى عكس الشباب تجد أن الفتيات تكون ضحية شخص وثقت به، عكس الشباب الذى يقدم نفسه ضحية لك فتاة تقترب منه إلا من رحم ربي، ويبدو ملحوظا لى أن معظم الفتيات هدف محتمل لمبتز، فلا يوجد فتاة فى الوطن العربى لا تعانى من مشاكل أسرية أو اجتماعية، لا يوجد فتاة لا تبحث عن شخص تثق به، خاصة مع ضياع الثقة داخل الأسرة، فالأسرة لم تعد تلك الأسرة التى تستوعب الفتاة، وتقف لتحافظ عليها كما فى الماضي، تحت مسميات مختلفة منها الحداثة والمساواة والتحرر، وفى ظل استمرار النظر المزدوجة للفتاة على أنها أقل من الرجل إذا خدشت كسرت عكس الذكر، الذى ما زال يقال عنه لا يعيبه شيء، أصبح واضحا سبب وجود ضحايا الابتزاز الإلكترونى من الشباب أكثر من الفتيات.
مما سبق يتضح لنا خطورة التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعى ومن ثم ينبغى الحذر بعدم قبول طلب صداقة من جانب الفتيات والسيدات لشخصية لم يسبق لهم معرفتها، وعدم التحدث عن مشاكلها خارج نطاق البيت إلا لمتخصص، أو الإدلاء بأى معلومات عن عائلتها لأى أحد، ولا تشارك تفاصيل حياتها على السوشيال ميديا لعدم اصطيادها من قبل المبتذين الذين ينتشرون على صفحات التواصل الاجتماعى وتطبيقات المواعدة، فالمبتذ عادة يعمل على دراسة شخصية ضحيته قبل ابتزازها، كمعرفة مدى شهرتها أو مجهوليتها، وكذلك مدى علاقاتها بالآخريين، ونقاط قوتها وضعفها من خلال منشوراتها وتعيلقاتها على الصفحات الشخصية، ثم يطلب منها بعد التواصل عبر الشات أن يكون ذلك عبر الكاميرا لتقع فى دائرة من الابتزاز المؤقت أو المستمر سواء أكان ماديا أو جنسيا أو الاثنين معا، وذلك بعيدا عن مصائب فبركة الصور وتركيبها، وغيرها من جرائم تنتشر حاليا على مواقع التواصل الاجتماعى منها الإتجار بالبشر واغتصاب الأطفال وموبقات لا قبل لنا بها.