"كسر الجنيه" مصطلح لا يعرفه إلا من لهم علاقة مباشرة بالتجارة والخدمات المرتبطة بها، ويعني باختصار القروش الصغيرة التى تزيد على الجنيه عند شراء سلعة أو خدمة، كأن تشتري علبة مناديل ورقية مقابل 120 قرشاً على سبيل المثال، في حين أن العملات من الفئات الصغيرة مثل الـ 5 قروش والـ 10 قروش، لم تعد مستخدمة بصورة فعلية، ولم تعد الدولة تحرص على سكها كما كان في الماضي، لذلك باتت أي كسور فوق الجنيه يتم تقريبها لأقرب 10 أو ربما لأقرب 100 في بعض الأحوال!
للأسف أي سلعة يزيد سعرها على الجنيه بقروش محدودة، يتم تصعيدها تلقائياً، لتصبح جنيه ونصف أو 2 جنيه، دون معايير علمية أو فنية أو تسويقية، بالإضافة ما يترتب على ذلك من إجراءات مختلفة، مرتبطة بزيادة معدلات التضخم، وزيادة العبء على كاهل الأسر المصرية، التي باتت احتياجاتها اليومية أكبر بكثير من الفترات السابقة، لذلك يجب أن تكون لدينا حلول عملية لإشكالية كسر الجنيه، التي تبدأ من إعادة سك الفئات الصغيرة من النقود، كما يحدث في كل دول العالم، حتى ولو كانت بكميات محدودة.
من زار المتاجر والمقاهي في الدول المتقدمة، يجد العامل وحول خصره شنطة جلدية صغيرة أنيقة، مربوطة بحزام، ومملوءة بالعملات المعدنية، فئات مختلفة، من 10 حتى 50 سنتاً، ليتمكن من إعادة الباقي كاملاً للزبون بـ السنت الواحد، دون زيادة أو نقصان، كنوع من التقدير والاحترام للمستهلك، وحقه في الحصول على ما تبقى من مدفوعاته، حتى ولو كانت صغيرة أو محدودة، فالموضوع ليس أكثر من مسألة مبدأ والقليل يخضع لنفس قانون الكثير.
المشكلة في السلع التي يتحكم فيها موضوع "كسر الجنيه" باتت كثيرة ومتنوعة، وتحاول الشركات والمتاجر التسابق في إنتاجها وزيادة المعروض منها، بداية من رغيف الخبز أو الفينو أو اللبان والمناديل الورقية، حتى أعواد الثقاب والبون بون، لتحصد الشركات المنتجة لهذه السلع مكاسب تقترب أحياناً من 100%، وبمعدلات أرباح تفوق من يعملون في صناعة الصلب أو إنتاج السيارات وبناء السفن، ليتحول موضوع كسر الجنيه إلى قصة كبيرة تتم بقصد، لتحقيق مكاسب ضخمة، على حساب المستهلك.
الأكشاك الموجودة في الشوارع والسوبر ماركت التقليدية، أكثر من يستفيد من نطرية "كسر الجنيه"، وأظن أنهم يحصلون على فوارق يومية بمبالغ معتبرة، تحمل مكاسب دون جهد أو تكاليف إنتاج وأعباء خدمة ونقل وخلافه، لدرجة أن أغلبهم صار يستخدم الحلويات واللبان كوسيلة للاستعاضة عن الفكة، من باب "مُراضاة الزبون"، لتخرج كل مرة من السوبر ماركت محملاً بـ الكبريت أو اللبان والمناديل، كبديل وحيد عن الفكة، التي يدعي أغلبهم أنها غير متوفرة!
قضية الفكة وكسر الجنيه لا تصنع أمولاً لتجار التجزئة والمواد الغذائية فقط، لكنها كنز ثمين للمؤسسات المالية والبنوك أيضاً، التي تجمع ملايين الجنيهات من "الفكة"، فالعميل لا يحصل على أي مبالغ أقل من جنيه، قس على ذلك أعداد العملاء، التي تصل إلى نحو 30 مليون عميل، جميعهم يخضعون لنفس نظرية كسر الجنيه، وهذه أموال لا أحد يعرف بشكل دقيق مسارها، وكيف يتم استخدامها؟ وهل تدخل في أرباح الجهاز المصرفي أم لا؟ وهل تتم الرقابة عليها بصورة قانونية أم لا؟ لكن الموضوع يحتاج إلى دراسة متخصصة وإحصائيات سليمة، يتم بناء عليها تقدير الموقف ووضع حلول حاسمة.
عودة الفكة مرة أخرى له مزايا عديدة، وسوف يسهم ولو بصورة محدودة في امتصاص بعض آثار التضخم، وسيكون له مردود إيجابي على الشارع، نتيجة عودة الـ 5 والـ 10 قروش، وهذا ليس بدعة مصرية أو تجربة ليس لها مثيل في دول العالم، فقد شاهدت بعيني التعامل بـ 1 روبل روسي، الذى يساوي تقريباً 1 على 60 من الدولار، لكنه مازال موجوداً في الأسواق، ويتم التعامل به، ولا يرفضه أحد أو يمتنع عن تحصيله، لذلك يجب أن تناقش الحكومة من خلال وزارة المالية، والبنك المركزي، إمكانية عودة الفكة مرة أخرى، دون النظر للموضوع من باب السخرية، فمثل هذه الإجراءات سيكون لها مرود إيجابي على الأسواق، وستقدم عائد إيجابي عند تسعير المنتجات والخدمات، بدلاً من المكاسب الخيالية التي نراها في السلع التي تباع بكسر الجنيه.