تعودت من الأستاذ جورج إسحاق منذ سنوات على المعارضة المتشددة أيا كان موقعه، نائب فى البرلمان أو عضو بمجلس حقوق الإنسان أو بدون منصب، فهو رافض دائما لأى توجه أو موقف أو تصرف للسلطة، ناقم دائما على كل ما تفعله الحكومة، مترصد دائما لأى أخطاء أو تجاوزات، متحفز دائما للهجوم فى أى وقت، مؤيد دائما لكل ما يوجه من انتقادات دولية لموقف مصر من ملفات عديدة تدخل تحت لافتة "حقوقية".
لكن هذه المرة وجدت الاستاذ جورج يتمتع بهدوء غير مسبوق، ويقدم ثناء غير معهود على وزارة الداخلية بل ويهاجم بشدة منظمة العفو الدولية.
بصراحة لم أكن أتوقع أن يأتى الدفاع عن وزارة الداخلية من الاستاذ جورج، لكن المستحيل حدث وعندما بحثت عن السبب فى هذا التغير الجوهرى، وجدته فى التعامل الذكى من الداخلية نفسها.
فعندما استمعت الداخلية لصوت العقل وتعاملت مع ملف الاختفاء القسرى بعقلانية وحنكة ومهارة وردت بالمعلومات ولم تتجاهل أو تتكبر، كانت النتيجة أن أكثر من كانوا يهاجمون الداخلية فى هذا الملف تحديدا من داخل المجلس القومى لحقوق الإنسان وهو جورج إسحاق أصبح هو الذى يدافع عنها بل وينتقد تقرير لمنظمة العفو الدولية ويصفه بأنه مغلوط ومعلوماته مرسلة لأنه زعم وجود ارتفاع غير مسبوق فى حالات الاختفاء القسرى مطلع عام 2015، وهو ما يرفضه جورج لأن المعلومات التى قدمتها له الداخلية تنفى هذا الأمر.
لماذا تحمس الاستاذ جورج وقال هذا الرد الرافض لما جاء بتقرير المنظمة المتحاملة على مصر؟
الإجابة لأنه وجد أن أمامه معلومات موثقة ومن الجهة المختصة وهى الداخلية توضح الحقائق وبكل دقة فلم يعد لديه ما يبرر أن يساند أو حتى يقف محايدا من تقرير العفو الدولية، فاتخذ موقفا واضحا ولم يكتفى بمهاجمة تقرير المنظمة وإنما أثنى على الداخلية واعتبر موقفها الإيجابى والرد على كل ما يرسل إليها من استمارات الاختفاء القسرى نقلة كبيرة.
وهذا ما قلناه وطالبنا به مئات المرات أنا وغيرى، أن تحسن الداخلية ادارة ملفاتها وان تطبق مبدأ الشفافية فى كل تعاملاتها وأن تقدم المعلومات التى تضع الجميع أمام مسئولياتهم، وطالما ليس على رأسها بطحة فلماذا تمنح الآخرين فرصة للنيل منها.
هذا هو ما نتمنى أن يستمر خلال الفترة القادمة، فليس أفضل من الحقائق والمعلومات لإقناع الآخرين، وأظن أن ما حدث من جورج إسحاق وتصريحه الإيجابى لـ "انفراد" ردا على تقرير المنظمة الدولية إشارة جيدة ورسالة واضحة مفادها أن الداخلية يمكنها أن نستوعب حتى أشد المعارضين وتجعلهم سلاح يدعمها وليس سلاحا يستخدم ضدها. وطالما أن الداخلية أو أى مؤسسة فى الدولة تعمل بشكل سليم وفى اطار القانون فليس منطقيا أبدا أن تلتزم الصمت وتترك المساحة شاسعة للشائعات وكيل الاتهامات ضدها، وإنما عليها أن تسارع لترد بالحجة والمنطق والمعلومة المؤكدة وليست المفبركة، ووقتها ستجد عشرات آخرين غير جورج يمكن أن يجدوا أنفسهم مجبرين على تغيير مواقفهم.