"فى عَصرنا لا يُوجد شىء اسمه بعيدًا عن السياسة، كُل القضايا هى قضايا سياسية"، مقولة للصحفى والروائى البريطانى الشهير جورج أورويل، تُلخص لنا الكثير مما يجب أن نعرفه.
فى كل مَرة يتكرر مشهد الاستقبال الحافل للرئيس عبدالفتاح السيسى فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يحتشد المئات من أبناء الجالية المصرية أمام مقر إقامة الرئيس، قادمين من مختلف الولايات، رافعين صور الرئيس وأعلام مصر، مُرددين أغانى وطنية مُدمجة مع هتافات "تحيا مصر"، "مرحبًا بك سيادة الرئيس" و"بنحبك يا ريس" .
يُذكرنا هذا الاحتفاء بمشاهد استقبال الرئيس أثناء زياراته إلى ألمانيا فى يونيو 2015، ونوفمبر عام 2019 وفى يوليو الماضى، كما يُعيد إلى أذهاننا أيضًا مشاهد استقباله فى نيويورك أثناء زياراته المتتالية منذ عام 2014؛ للمشاركة فى الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
البعض يتساءل: ما المغزى وما المعنى وما أهمية مثل تلك المشاهد؟ ولماذا تتكرر كلما وطأت أقدام الرئيس المصرى الأراضي الأمريكية، وهل علينا دعمها أو الفخر بها؟
وغيرها من الأسئلة التي رُبما لا تجد طريقًا للإفصاح عنها بشكل مباشر، ولكنها تظل عالقة بأذهان البعض منا.
الرئيس السيسى يُمثل الدولة المصرية، يُمثل الشعب المصرى؛ وهذا ما ارتضيناه بإرادتنا الحرة منذ أن انتخبناه فى عام 2014، وهى قطعًا إرادة جاءت نتاج التفكير الجمعى المصرى، مواقف عدة اختبرنا خلالها قدرته على قيادة سفينتا، وتحمل مسئولية مصائرنا ومصائر أبنائنا.
مِن المهم أن يدرك العالم مدى ثقتنا بخياراتنا، وأن يدرك مع أى إرادة يتحدث ومع أى شعب يتعامل؛ فإذا أردنا لنا صورة ثابتة قوية غير مُهتزة دون أن نترك ثقوبًا صغيرة لأعداء استقرارنا؛ فعلينا دعم صورة من يُمثلنا بلا تردد؛ ففى دعمها ـ خاصة أثناء تأدية مهمة خارج الوطن ـ دعم مهم لصورة مصر أمام العالم المُترنح، ولحضورها الخاص بين الأمم بشكل يليق بحجمها.
أنا واحدة من المصريين، بالتأكيد مثلى مثل مئات الملايين، همى الأكبر لُقمة العيش، ولكننى فى الوقت نفسه، أُدرك أن المنظومة مُتشابكة مترابطة، تُكمل بعضها البعض، فإذا أردنا لاقتصادنا النهوض والازدهار فعلينا دعم الكيان المصرى، الذى هو كُل لا يتجزأ بقيادته وشعبه ومؤسساته وحكومته، فالدول الكبرى لا تمد أياديها للقادة الضعفاء، ورجال الاقتصاد والمستثمرون لا يضعون أموالهم فى البلدان غير المستقرة، ولا يخاطرون باستثمار أموالهم فى أسواق هشة، ولا يتناقشون مع حكومات بلا خطط طموحة طويلة المدى.
هذا ليس رأيى، بل ما قادنى إليه المنطق والواقع، خاصة بعد ما لمسته خلال أحاديث مقتضبة مع أصدقاء لى أمريكيين على درجة كبيرة من الوعى والثقافة، بعضهم من مدينة واشنطن دى سى ـ المقر الرئيسي للحكومة الفيدرالية ـ وآخرون من ولاية ميريلاند القريبة من دى سى أيضا ومدينة نيويورك؛ سمحت لى ظروف استقرارى لفترة طويلة بالولايات المتحدة بتكوين مثل هذه الصداقات الممتدة، ودفعنى الفضول للتحدث معهم - عبر رسائل الواتساب - لمعرفة رؤيتهم لتلك المشاهد من احتفالات الجالية المصرية بالتزامن مع زيارة الرئيس؛ فقط أردت أن أرى المشهد بعيونهم.
بطبيعة الحال، وجدت بعضهم غير مُهتم بمتابعة تلك التفاصيل؛ وآخرين متابعين جيدين، على عكس توقعاتى.
فى البداية؛ فوجئت بترحيبهم بالحديث فى هذا الموضوع الذى قلما يتحدثون عنه؛ فعادة يتم تسليط الضوء على آراء أبناء مصر فى الولايات المتحدة الأمريكية وليس الأمريكيين.
مُلخص آرائهم؛ أن مشهد استقبال الرئيس المصرى مُبهج ومتماشي مع طبيعة المصريين الذين يتميزون بعواطفهم الجياشة وفخرهم بقيادتهم، وهم كأمريكان يرون ذلك بوضوح فى المواقف الإنسانية المُصاحبة لاستقبال الرئيس كأن يصطحب رب أسرة أطفاله والوقوف لساعات طويلة انتظارًا لوصول الرئيس، فهذا مبهر ومميز، بالوقت نفسه، هذا مُغاير لما حاول أعضاء جماعة الإخوان هنا فى أمريكا ترويجه فى السابق، ها هو الواقع يفند تلك الأكاذيب بامتياز .
بل إن صديقى "ديف والاس"، مقيم فى بالتيمور بولاية ميريلاند، وهو مستثمر فى مجال الطاقة قال: "أعتقد أن كثيرًا من الأمريكان يشعرون بالامتنان للرئيس السيسى، فاستطاعت قيادته أن تخلق عصرًا ذهبيًا لمصر، التى اعتقدنا أن العالم سيفقدها أثناء حكم الإخوان، وهذا كان سيكون طامة كبرى فى موازين السياسة الدولية، فمن يقرأ السياسة جيدًا يُدرك أهمية مصر، ليس على الساحة الإقليمية فقط بل الدولية أيضًا، عَلَّنا لمسنا هذا الدور حينما تدخلت مصر لتهدئة الأوضاع فى قطاع غزة، والرئيس جو بايدن شكر الرئيس السيسى عن هذا الدور".
أضاف "ديف"، إننا كأمريكيين يُبهرنا أيضا الطفرة الكبيرة فى الاستثمار بالبنية التحتية فى مصر، وهى تتجاوز كونها مظهرًا حضاريًا جماليًا، لكنها تحديث للدولة ككل، وأحد المؤشرات المُطمئنة لكثير من رجال الأعمال، فالدولة المُهلهلة فى بنيتها الأساسية من الصعب أن تكون جاذبة لأى استثمارات؛ فهذا مؤشر لأمور كثيرة غير جيدة.
ومن منظور عالمي ـ يقول "ديف" ـ فإن مكانة مصر القوية بالمنطقة قد ساهمت في استقرار الشرق الأوسط، وهذا كان نتاج العمل الجاد الهادئ للدبلوماسية المصرية؛ والذى أفضى إلى تأسيس صداقات جديدة بالتوازى مع تقوية أواصر العلاقات مع الدول المجاورة.
تلك العلاقات التى استخدمتها مصر فى استراتيجيتها لإيجاد حلول لكثير من الخلافات المُهددة للكيان العربى بشكل عام.. واختتم "ديف" حديثه قائلًا: "أعتقد أن الرئيس السيسي هو مثال القيادة الناجحة فى الشرق الأوسط"!
على الجانب الآخر، كان لأصدقائنا الأفارقة طيب الكلمات عن مصر وأهميتها وثقتهم بها، حينما وجهت لبعضهم السؤال ذاته، كانت العبارة الأكثر تكرارًا "أنتم محظوظون بهذا الرئيس!"
هذه الأحاديث أكدت أو بالأحرى كشفت لى جوانب رُبما يغفلها الكثير منا؛ فتلك المشاهد والمواقف رغم بساطتها، إلا أنها تُرسل للعالم رسائل مهمة تُعد جزءا لا يُستهان به من قوتنا الناعمة .
ولا نَغفل بالطبع، ما أضافه الرئيس لصورة مصر أمام العالم عبر زياراته الخارجية، طيلة ثماني سنوات امتازت بحالة من النشاط المتواصل بهدف تأكيد العلاقات الثنائية مع الشركاء الإقليميين والدوليين، ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا التي تشهد علاقاتها مع مصر ازدهارًا غير مسبوق؛ أيضًا فتح من خلال تلك الزيارات، قنوات تواصل مع بلاد كانت بعيدة عن دائرة نشاطنا الدبلوماسى مثل صربيا التى أدى الرئيس زيارة لها فى يوليو الماضي؛ وهى الزيارة الأولى لرئيس مصري منذ 35 عاما، وتم خلالها بحث مجموعة من الملفات المهمة اقتصاديًا، وزيارته للنمسا فى ديسمبر 218 وكانت الأولى لرئيس مصرى منذ 11 عامًا.
وكان الرئيس المصرى حريصًا أيضًا على صلة الرحم العربية والأفريقية، فقام بزيارته التاريخية إلى العراق فى يونيو 2021 كأول رئيس مصرى يزور بغداد طيلة 30عامًا، كما يعد أول رئيس مصرى يطرق أبواب جيبوتى زائرا لها فى مايو عام 2021، ونعلم الأهمية الاستراتيجية لهذه الدولة بالنسبة لمصر، كإحدى دول القرن الإفريقي وكونها مشرفة على حركة الملاحة البحرية من مضيق باب المندب.
لم يتوقف نشاط الرئيس على صعيد السياسة الخارجية، حتى فى ظل مواجهة العالم لجائحة كورونا؛ ففى الفترة من يونيو 2020 إلى يونيو 2021، شارك الرئيس السيسى فى 21 قمة، وأدى 10 زيارات خارجية، وعقد 86 اجتماعاَ مع قادة ومسئولين أثناء زيارتهم لمصر خلال تلك الفترة، وحرص على تقديم مصر كعضو فاعل على الساحة الدولية، بل إنه حمل بين ذراعيه هموم القارة الأفريقية والقضايا المهمة إقليميًا أمام المحافل الدولية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، فعدد زياراته للأمم المتحدة فاق زيارات جميع قادة مصر إليها منذ إنشاء المنظمة الدولية، ولم يكن حضوره مجرد تمثيل للدولة أمام العالم، بل حرص على استغلال تواجده فى تلك المناسبات لتنمية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية مع بلدان العالم كافة، فعقد أكثر من 64 قمة مع مع قادة وزعماء من مختلف القارات، إضافة إلى لقاءات مع رجال الأعمال البارزين، ومسئولى المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.
إنَّ مصر لديها حرص دائم على فتح مسارات جديدة لعلاقاتها الثنائية؛ إيمانًا منها بأهمية تلك العلاقات وانعكاساتها على الداخل المصرى بمختلف المجالات، فالحراك المصرى الدولى عزز مكانة الدولة الإقليمية والدولية، وكان عاملًا مهمًا فى تحقيق المصالح الوطنية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، كما ساهم في تحقيق متطلبات الأمن القومي المصري وتعزيز القدرات المصرية وتوطيد أواصر التعاون الدولي بشكل يتسق مع جهود التنمية الشاملة التي تشهدها مصر حالياً.
أحدث تلك الإنجازات وليس آخرها نجاح الدولة فى استضافة قمة المُناخ، رُغم الظروف الصعبة التى تواجه العالم وبالطبع مصر كجزء منه، إلا أنها قامت بالمَهمة بنجاح وحازت إشادات قادة العالم والمنظمات الدولية آخرها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية التى هنأت مصر بهذا النجاح الباهر، وهذا له مردود كبير على قوة مصر الناعمة وإثبات قدرتها على القيام بأدوار مؤثرة فى القضايا الدولية المحورية مثل "التحديات المُناخية".
بالطبع هذه السطور ليست كافية لحصر إنجازات الدولة المصرية خلال ثمانى سنوات "عمل"، وأقول "عمل" لأن ليست كل السنوات التى مرت عل مصر كانت أيام عمل؛ فكثير منها كان على سبيل الراحة وإرجأ ما يجب مواجهته.
لكن من بين تلك الإنجازات التى تستوقفنا على الصعيد الدولى، إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر وعملاق الاقتصاد العالمى "الصين" عام 2014، وتحول القاهرة إلى مركز إقليمي للطاقة، وإنشاء محور تنمية منطقة قناة السويس، الذى يوفر فرصاً واعدة للعديد من الشركات من مختلف دول العالم الراغبة فى الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي، كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف الدول، خاصة تلك الدول التى تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة، لاسيما بالمنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا.
ولن أسرد هنا الإنجازات على الصعيد الداخلى، فهى كُثر، وربما مشروع "حياة كريمة" يكفى عنوانًا لتلك الإنجازات؛ لأنه مشروع إنسانى بالدرجة الأولى، معنى بآدمية معيشة حوالى 60 مليون مصرى.
عفوًا سيادة الرئيس.. رُبما لا يزال البعض منا غير مُقدر لأهمية العديد من المشاهد التى تترجم خطوات كبيرة اجتازتها الدولة، هى حصاد أيام وسنوات من العمل المتواصل، ولكن حتمًا سيأتى يوم تفرض فيه الأقدار والأحداث على الجميع الإدراك!