رحلة صعبة وممتعة في الوقت نفسه قضيتها مع رواية "اسمى زيزفون" للكاتبة السورية سوسن جميل حسن، الصادرة على منشورات الربيع، والمرشحة ضمن القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية "البوكر"، فهي رواية عن سوريا بأحزانها المتواصلة، عن الإنسان عندما يكون مفردًا وحيدًا، يواجه كل شيء دون أمل في النجاة، رواية عن التاريخ بتبعاته والحاضر بثقله والمستقبل بغموضه.
والرواية هي حكاية "زيزفون" التي تمردت على كل شيء، بداية من اسمها الأول "جهيدة"، لقد غيرته ولم تخضع له أبدًا، وسعت بكل قوة لأن يكون اسمها "زيزفون"، وعندما نتعرف عليها في الرواية سندرك بالفعل أنها شخصية قادرة رغم بساطتها على صنع ما تريد وما تشاء.
ويمكن اعتبار "زيزفون" شاهدة على قرابة ستين عامًا من تاريخ سوريا، بكل ما حدث في المجتمع من صراعات دينية وسياسية، بكل ما تم فيه من "انتهازية"، وبكل ما جرى في حياة الناس من حلم وظلم، ومعها نعيش التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري.
تقدم لنا "زيزفون" من خلال قصتها سوريا في عصرها الراهن، حيث الحرب واقع يومي، بكل ما يتبعها من شهداء وموت وتفجيرات وتدمير وإحساس بالنهاية، حيث الناس مهزومون بشكل واضح، تطاردهم الكوابيس وينتظرون غدًا لا يعرفون خط سيره.
أول ما يتضح لنا في الرواية من الجانب الفني أن سوسن جميل حسن، مبدعة كبيرة تعرف كيف تحكى القصة، تعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي، إنها تبدأ من العودة من الموت، حيث "زيزفون" تروح في غيبوبة فيظنها الناس قد ماتت، ويبدأون فى تجهيزها للدفن، لكن ابن أخيها اكتشف أنها لا تزال تتنفس، إنها بداية مهمة لإنسان يفكر فى الحياة بشكل مختلف.
قدمت الرواية تشريحًا لكثير من النماذج البشرية فى المجتمع السوري، ونتوقف أما أربع شخصيات مهمة، الأول "سعيد" بكل ما يمثله من عقل ورفض للإهانة ورغبة فى الحلم والنجاة وبناء المجتمع ومساعدة الناس، لكن الحياة فى سوريا أجبرته على العزلة، حتى مات فى "غموض"، وهو بالنسبة للرواية حلم لم يتحقق يمثل القدرة والحب بينما يراه الناس مجنونا.
الشخصية الثانية، "شعبان" أخو زيزفون، وهو عكس شخصية "سعيد" إنه رجل تحكمه المصلحة دائما، لا وقت للقلب أو العواطف ولا مكان للحلم، إنه نتاج طبيعى للأحداث الدامية التى تجرى فى البلاد.
الشخصية الثالثة، "منيِّر" ذلك الذى يمثل الفطرة بكل ما فيها من جمال وبساطة، هو الإنسان الراغب فى المساعدة، حتى إن رآه الناس "مخبولا".
والشخصية الرابعة التى تطلبت التوقف أمامها هو "عبد الجليل" الواشى الذى يعيش على أذية الناس، ومن خلال هذه الشخصيات وضعتنا سوسن جميل حسن فى نموذج مصغر لما يجرى فى الدول التى تواجه الأزمات والمشكلات الكبرى والصغرى.
جانب فنى مهم استخدمته الكاتبة عندما قسمت الفصول إلى جزأين، أول يتناول ما يحدث الآن، وجزء ثان أطلقت عليه "من الدفتر" قدمت فيه ماضيها وماضى البلاد، كل ذلك فى سرد شيق وجميل.
عندما تبدأ في رواية "اسمى زيزفون" فإنك لن تتوقف حتى تنتهي منها، وستخرج منها مستمتعا بنص أدبي وغاضبا عما يجرى في سوريا.