حكاية إرهابية جديدة، هذا هو حالنا كل صباح، نصحو على فزع يترك أثره الجارح على عقل وطبيعة المجتمع العالمى، وفى الوقت نفسه يترك أثرا كبيرا على السياسات والعلاقات الدولية، ويساعد أيضا على تكريس صورة العدو، والمعروف أن سياسيى العالم لا يعرفون كيف يعيشون الحياة بلا عدو، أحيانا يسعون لصناعته، وأحيان أخرى يسعى هو إليهم مقدما نفسه «هدية» تصلح للذبح، وهذا هو المتوقع فى الفترة المقبلة تجاه العرب، بعدما قام رجل مسلم من أصل تونسى بدهس شعب يحتفل بعيده القومى فى شوارع فرنسا.
سوف نظل كثيرا نحفظ جيدا اسم «محمد بوهلال»، لأن ما فعله فى شوارع مدينة «نيس» الفرنسية، شيئا مروعا وفارقا فى تاريخ العمليات الإرهابية، وسيعمل على إثارة الرعب بقدر أكبر من تخيلنا، لأن هذه النوعية من العنف يكون منعها صعبا، والقضاء عليها مستحيلا، فعملية الدهس الرهيبة التى راح ضحيتها أكثر من 80 مقتولا بينهم أطفال، تكشف عن الخلل الذى أصاب الجميع.
وما فعله محمد بوهلال يعد تطورا نوعيا فى الحوادث الإرهابية، وهو أمر يحتاج إلى دراسة متأنية، خاصة من الجانب النفسى، لأن شعور هذا الشخص بالكراهية تجاه ذاته أو ظروفه أو الشعب الفرنسى أو بوجه عام تجاه الأوروبيين أو حتى تجاه العالمين ليس مبررا لما حدث، وحتما هناك نوع من الإصابة بالخلل العقلى، ولست هنا فى سبيل الدفاع عنه، فهو لا يستحق أية شفقة أو دفاع، لكننى أتأمل التغيرات التى حدثت لمرتكبى الجرائم، فقد كنت أظن أنه من المستحيل أن يظل إنسان مهم تم تلقينه وإعداده ليدهس بشاحنته هذا العدد الكبير، الذى حتما احتاج لوقت طويل لتنفيذ ذلك، فقد ظل يطارد الناس الذين لا يعرفهم فى الشارع، دون أن يفكر لحظة أو يتراجع.
أى غضب هذا وأى عقيدة تلك التى كانت مسيطرة على ذلك القاتل، وسواء أكان مكتئبا أو عنيفا أو لا يرد على من يسلم عليه أو يتطلع بشبق إلى ابنتى جارته، كما صرح جيرانه فى مدينة نيس التى يعيش فيها، فإن ذلك كله لا يبرر ما فعله، لأنه بكل بساطة تخلى عن إنسانيته تماما، ووقف يشاهد الأعداد الغفيرة المتجمعة على كورنيش «برومناد ديزانغليه» المحاذى للبحر لحضور احتفالات العيد الوطنى الفرنسى، وبينهم الأطفال يمرحون، ممتلئة عيونهم بالرغبة فى الحياة وأرواحهم متطلعة لعرض الألعاب النارية، بينما هو بشاحنته البيضاء يستعد لقتل الجميع والانقضاض على الحشد، ودهس كل مَن كان فى طريقها لمسافة كيلومترين كاملين.