شاهدت الأحداث العاصفة فى نيس وتركيا بعيون مصرية، ومر أمامى شريط الأيام السوداء التى عشناها.. الإرهاب الذى أرق حياتنا ونخوض حربا عادلة فى سيناء لاجتثاث جذوره، وسيارات دهس المتظاهرين فى ميدان التحرير فى 25 يناير، ورابعة والنهضة واحتلال الميادين والشوارع، وأحداث مسجد الفتح برمسيس والتمثيل بجثث شهداء الشرطة فى كرداسة، والتوك شو ومذيعى النكبة وقناة الجزيرة، والبلتاجى وصفوت حجازى والقرضاوى وأبوإسماعيل، والشرعية وغزوة الصندوق والنائب العام الملاكى، والعالم يتفرج علينا ويتسلى بوجيعتنا، وقلوب المصريين تتمزق حزنا على وطن فى مهب الضياع.
حادث نيس استنساخ من أسلوب تفجير برجى التجارة 11 سبتمبر، حولوا الطائرات من وسيلة نقل إلى صواريخ مدمرة، واستخدموا الشاحنة فى نيس لدهس الأبرياء وقتلهم بطريقة وحشية، وفى الحادثين سقطت أعداد كبيرة من القتلى، أكبر بكثير من القنابل والمتفجرات والبنادق الآلية، لكن فرنسا ليست فى تهور أمريكا، ولا تمتلك نفس غطرستها ولا تستطيع أن تحشد العالم للحرب، رغم تكرار الحوادث الإرهابية الضخمة، فى الأعوام الثلاثة الأخيرة على التوالى، فى شارل إبيدو وملهى باريس وشاطئ نيس.
لماذا فرنسا بالذات هى الدولة الأكثر استهدافا بالإرهاب فى أوروبا؟.. ربما للانتقام منها لدورها القوى فى سوريا والعراق وليبيا، فكان ضروريا أن تدفع ثمن مواقفها.. وربما لأن بها أكبر جالية مسلمة فى أوروبا، ويشعرون بالاضطهاد والرغبة فى الثأر والانتقام.. وربما لأن الفرنسيون الداعشيون هم الأكبر عددا من بين كل الدول الأوروبية، وعددهم 1700 فرنسى داعشى.. أو ربما لهذه الأسباب مجتمعة، مما يحتم أن تتخذ مواقفا أكثر إيلاما للعرب والمسلمين المقيمين فى أراضيها، استحابة لضغوط الرأى العام، الذى ينادى «عودوا إلى بلادكم لا نريدكم».
الأمر الأصعب فى محاربة الإرهاب هو أن الدبابات والطائرات لا تنفع فى شىء، لأن الإرهابيين فى لحظات الهجوم يضربون من يجدوه فى طريقهم، سواء كان طفلا أو أى إنسان آخر، إنه نوع جديد من الحروب، يحتاج تطويرا جديدا للأسلحة، وتكاتف الجهود الدولية وتبادل المعلومات، وإلا فالبديل هو تكرار ما حدث فى نيس.
تركيا فوق صفيح ساخن لن يبرد لوقت طويل قادم، وليس معنى فشل حركة الجيش فى الإطاحة بأردوغان، أن الأمر قد استتب له أو ارتفعت شعبيته، وإنما بدأ مواجهة مريرة مع الجيش بدايتها أحكام الاعدام ضد مناوئية، واتساع دوائر الدم والإرهاب والأعمال الانتقامية، وسيكون مطالبا بإدخال تعديلات جذرية للحفاظ على علمانية الدولة، وإن كانت المؤشرات تتجه إلى حرب أهلية.
على المستوى الشخصى شعرت بالارتياح وكنت أتمنى نجاح حركة الجيش التركى، على الأقل ليشرب أردوغان من الكأس المر الذى يستخدمه ضدنا، وأن تنزل فوق رأسه عدالة السماء، عقابا على كراهيته لمصر والتآمر ضدها.. كنت أتمنى أن يكون مصيره مثل المعزول مرسى، وأن يقف شارد الذهن خلف القضبان، لكن المشكلة أن الشعب التركى لم يجد زعيما يثق فيه ويلتف حوله مثلما حدث فى مصر، وانشق الجيش والشعب فنزل أنصار أردوغان إلى الشوارع، وجلس بقية الأتراك فى بيوتهم يتابعون التلفاز، وعاد أردوغان مهددا «دعونى أنتقم».
الحالة المصرية مختلفة تماما عما حدث فى تركيا، فالشعب المصرى الذى خرج بالملايين، فى مشهد غير مسبوق فى التاريخ فى 30 يونيو، كان «ظهر» الثورة وصاحبها ومفجرها، وقف الجيش ملبيا إرادته ومنفذا لمطالبه، والتحم الاثنان فى ملحمة وطنية رائعة لإنقاذ البلاد من الضياع، وهى ثورة لم يحدث مثلها فى كل دول العالم.
الخلاصة.. أفيقوا، الإرهاب لا يستهدفنا وحدنا ويقتحم عقر دار من تصوروا أنهم بمنأى عنه.. وأردوغان شرب كأس السم الذى يحضره لغيره، صحيح إنه لم يقتله، ولكنه يسرى فى كل جسده.