المشاهد بيننا لا تعد ولا تحصى، ولكنها بشكل سريع محفورة بحضن يفوح بالأمان وأنا أودع نعش أبى لمثواه الأخير، ومشهد آخر تربط فيه على قلبى بوجودها تطمئننى بأن أمورى فى العمل ستتحسن، ومشهد آخر تمتص فيه بابتسامتها التى أعشقها توترى وارتباكى أثناء تحضيرى لزواجى، وكم من مشهد جمعنا وهى تحتضنى وأنا أبكى فى أحد الشوارع وتصحبنى لمكان نجد فيه سلوانا.
هذه هى صديقتى نهير، يوما تلو الآخر وبفضل أفعالها أتأكد أن الله يحكم تدبير أقدارنا، ولا نقابل الناس فى رحلة حياتنا هباءً، بل لله لطف خفى وحكمة قديرة.
عرفتها شخصية وديعة فى بداية عملى فى انفراد فتسللت دون إرادة منى لمجرى تفاصيل يومى، أوقات كثيرة لا أعرف سببا لذلك، ربما لتشابه سماتنا الشخصية، كلانا يحب الخيال، نعطى دون حساب، ونعود من أنصاف طرق الخذلان نجر أذيال خيباتنا والضحكات تملأ وجوهنا رغم البكاء.
ربما وجدت فيها نسخة منى، مختلفة بعض الأوقات، ناضجة عنى فى التصرف بمواقف كثيرة، وضعيفة تارة أخرى عند أخذ حقها من أحدهم بمبرر"تجنب الأذى".
نختلف كثيرا، ولكن سرعان ما أجد ميزان حياتى يتوتر، ويخبرنى بأننا لا نريد مزيدا من الخسائر لحجر الزاوية فى حياتى، نهير هى حجز زاوية أساسى فى حياتى خلال السنوات الأخيرة، هى التى ترعى، وتحتضن وقت الأوجاع، وتبحث عن تنظيم المفاجآت السارة من أجل إسعادى وإسعاد كل من تحبهم.
لم تكتف نهير بأن تعلمنى أن القلوب الصافية ما زالت موجودة، ويرزقنا الله بها، بل تعطينى دائما درسا حيا بأن الأقدار تحدث ولا مفر منها، ولكن يصحبها الله بألطاف عديدة، يرتب لك من قبلها ويسيق لك شخص يعينك على تحمل القدر، فيكون هذا الشخص بالفعل لطف خفى، ويكون هذا اللطف اسمه المحفور فى قلبى "نهير".