كثيرون لم يفهموا إشارة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مشاركته فى القمة الأفريقية بالعاصمة الرواندية، كيجالى، عن «توافق إزولوينى» و«إعلان سرت»، حينما تحدث عن موضوع إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، وعلاقة مصر بهذا الأمر، وهل علاقته مرتبطة بأن مصر عضو غير دائم بمجلس الأمن، أم أن القضية أكبر من ذلك.
بداية فإن «توافق إزولوينى» و«إعلان سرت» يؤكدان حق القارة الأفريقية فى الحصول على مقعدين دائمين فى مجلس الأمن الدولى مع حق النقض «فيتو»، ضمن المساعى الدولية لإصلاح مجلس الأمن وتوسيعه، وسبب تمسك مصر بهما هو ما شرحه الرئيس فى كلمته «إيمان مصر بمحورية الإصلاح الشامل والجوهرى لأجهزة الأمم المتحدة لجعلها أكثر تمثيلًا وتعبيرًا عن حقائق العصر، وكأساس لتحقيق ديمقراطية العلاقات الدولية، وتعزيز حوكمة النظام الدولى، وبما يستجيب لتطلعات أفريقيا وطموحاتها فى إزالة الظلم التاريخى الواقع عليها، والحصول على التمثيل العادل الذى تستحقه بفئتى العضويــة الدائمة وغيـر الدائمة بمجلس الأمن، مع تمتع الدول التى ستنضم كأعضاء دائمين جدد لمجلس الأمن الموسع بجميع الحقوق، وفقًا للموقف الأفريقى الموحد بجميع عناصره الواردة فى «توافق إزولوينى» و«إعلان سرت»، والذى ما زال يُمثل الخيار الذى يعبر عن مصالح القارة الأفريقية وتطلعاتها فى الحصول على التمثيل الذى تستحقه فى مجلس الأمن الموسع».
سبب حديث الرئيس أمام القمة الأفريقية على هذا الأمر يعود إلى أنه رغم الاتفاق الأفريقى منذ عدة سنوات، فإن دولاً أفريقية تحاول الالتفات على هذا التوافق الذى لا يسمح لهذه الدول بإبرام صفقات سياسية مع قوى غير أفريقية تريد تمرير عملية توسيع مجلس الأمن بشكل لا يمنح أفريقيا سوى مقعد واحد دائم فقط، وأقصد هنا محاولات تقودها جنوب أفريقيا تحديدًا منذ عدة سنوات بالتحالف مع ألمانيا والبرازيل واليابان والهند لإلغاء «توافق إزولوينى» و«إعلان سرت»، لأنهم يرون أن طلب أفريقيا لمقعدين دائمين، وخمسة مقاعد غير دائمة أمر غير منطقى، ومن وقتها تحاول جنوب أفريقيا فى كل القمم الأفريقية التلاعب لإلغاء التوافق الأفريقى، وحاولت قبل عام عندما عقدت القمة فى جوهانسبرج، لكن مصر استطاعت إجهاض المساعى الجنوب أفريقية، وأعلنت مصر وقتها أنها ليست على استعداد للتنازل عن المصالح الأفريقية العليا لتحقيق مصالح ضيقة، وتفاعلت الدول الأفريقية مع مصر، وانتهت القمة إلى التأكيد على دعم التوافق القديم .
المنطق الذى تستند له مصر فى هذا الطرح يقوم على عدم معقولية الدعاوى التى تساق أحيانًا لحث الدول الأفريقية علــى التفريـط فـى «توافق إزولوينى» و«إعلان سرت»، وعدم قبولها بدفع بعض الأطراف التى تسعى لتحقيق مكاسب ضيقة بضرورة التخلى عن الموقف الأفريقى الموحـد تحت ادعاء أهمية إبداء المرونـة للحصول على ما تستحقه أفريقيا من مكانة، وما هى مؤهلة له من دور يتناسب مع أهميتها الدولية المتنامية، حيث تمثل الدول الأفريقية ما يزيد على ربع العضوية العامة بالأمم المتحدة، كما تمثل الموضوعات المتصلة بقارتنا الشق الأكبر من أجندة مجلس الأمن.
واستطاعت مصر سواء خلال القمة الأخيرة أو القمم التى سبقتها الحصول على الدعم الأفريقى، حيث أكد الرؤساء الأفارقة أهمية الإصلاح الشامل لمنظومة الأمم المتحدة، مع تأكيد حق أفريقيا فى تمثيل جغرافى عادل، كما أكد الرؤساء أهمية استمرار الموقف الأفريقى الموحد فيما يتعلق بإصلاح وتوسيع عضوية مجلس الأمن، مع مطالبة الدول الأفريقية بإدماج هذا الموضوع فى أولويات سياستها الخارجية فى أثناء تفاعلها مع الشركاء غير الأفارقة من أجل تصحيح الظلم التاريخى الذى لا تزال القارة الأفريقية تعانى منه، فالقارة ترى أن مجلس الأمن بتركيبته الحالية يعكس ميزان القوة الذى كان سائدًا حينما أنشئت المنظمة الدولية فى 1945 عندما كانت معظم الدول الأعضاء الحالية فى الأمم المتحدة واقعة تحت الاحتلال الأجنبى، وهو الوضع الذى تغير الآن، ويستدعى أيضًا تغيير المنظومة بشكل كامل، وأن تمنح الدول، وعلى رأسها الدول الأفريقية، الفرصة ليكون لها تمثيل عادل فى مجلس الأمن، خاصة أن آسيا ممثلة فى المجلس بالصين العضو الدائم.
رغم يقين مصر بأن عملية توسيع مجلس الأمن لن تحدث فى القريب العاجل، لكنها حريصة على تثبيت الاتفاق الأفريقى، ليس فقط فى قضية مجلس الأمن فقط، ولكن حتى لا تكسر القاعدة المتعارف عليها أفريقيًا منذ عدة سنوات بأن كل القضايا والترشيحات الدولية يتم الاتفاق عليها داخليًا، ولا يجب الخروج عليها، وهى إحدى مزايا الاتحاد الأفريقى الذى يدخل الفعاليات الدولية بأجندة واحدة ومحددة تتكلم بلسان 54 دولة.