الضريبة مطلوبة لكن الظرف السياسى ربما يكون غير ملائم
الحكومة فى مأزق حقيقى بسبب سياسة فرض الضرائب المستمرة، وآخرها محاولة تطبيق ضريبة القيمة المضافة وغضبة البرلمان والرأى العام من استمرار النهج الحكومى فى الاعتماد فقط على سياسة فرض الضرائب لسد العجز فى الموازنة، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتمويل المشروعات الحكومية.
فالمتوقع فى حالة التطبيق كما تتوقع الحكومة فى سبتمبر المقبل أن توفر ما يزيد على 30 مليار جنيه.
هناك اتهامات للحكومة بالاستسهال فى اللجوء إلى الضرائب أو زيادة الأسعار دون التفكير بجدية فى تنمية الموارد المهدرة وإجراء إصلاحات جادة فى النظام الضريبى المصرى المترهل، الذى نتج عنه تهرب ضريبى يقدر وحده بحوالى 250 مليار جنيه، حسب ما ذكره أشرف العربى رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، واتخاذ إجراءات اقتصادية جادة من الحكومة لدمج الاقتصاد الأسود أو الموازى فى شرايين الاقتصاد الرسمى، فالكارثة أن الاقتصاد الموازى أو غير الرسمى يمثل حوالى %40 من إجمالى النشاط الاقتصادى فى مصر وقدرته دراسة لاتحاد الصناعات بحوالى 2 تريليون جنيه.
نعرف أن ضريبة القيمة المضافة هى ضريبة مهمة لحصار الاقتصاد غير الرسمى وضبط النشاط الاقتصادى فى السوق المحلى من خلال منظومة متكاملة يعمل من خلالها كل من يعمل فى السوق عبر نظام الفواتير، فهى ضريبة تفرض على تكلفة الإنتاج وتستهدف القيمة المضافة على كل عملية تجارية.. لكن المشكلة أن أية قرارات بفرض الضرائب فى مصر يتبعها موجة من ارتفاعات متتالية فى الأسعار وبالتالى إرهاق كاهل البسطاء والغالبية العظمى من الشعب بأعباء معيشية، فى ظل غياب آليات الرقابة الحقيقية على الأسواق وعلى عمليات الاستيراد.. فالزيادة الأولى ومع رفع الدعم التدريجى على الطاقة تحملها الناس وربما هو ما شجع الحكومة على مزيد من فرض الضرائب بدلا من تنمية الموارد.
فى كل قطاع فى مصر موارد مهدرة تحتاج إلى إرادة حاسمة وإدارة حقيقية لتوفير أموال كثيرة، أولها النفقات الحكومية المتزايدة سنويا، والخلل فى منظومة العمل الحكومى وعدم تفعيل قوانين ضبط السوق أو تطوير القطاعات الخدمية، التى يمكن من خلالها توفير الموارد المالية اللازمة سواء لسد العجز أو لتمويل المشروعات التنموية العملاقة بدلا من الاستدانة واللجوء للخارج.
فهل الحكومة بقراراتها السهلة فى اللجوء للضرائب يغيب عنها المنطق السياسى، فالظروف المعيشية الداخلية للمواطن المصرى البسيط لا ينكرها أحد ولا يتحمل قرارات الحكومة سواء فى ترشيد الدعم ورفعه تدريجيا أو فرض الضرائب سوى المواطن البسيط الذى يواجه بالزيادة فى الأسعار.
وليس من المقبول أن تضغط الحكومة أكثر من ذلك على المواطنين وما يمكن أن يسفر عنه من رد فعل غاضب.
الضريبة مطلوبة لكن الظرف السياسى ربما يكون غير ملائم، مع تقديرى لأهميتها لكن عندما تكون الأوضاع الداخلية ملائمة.
والبحث عن بدائل لتوفير الموارد المالية مطلوب فى الوقت الراهن وله الأولوية، بداية من اعتراف الحكومة نفسها بالاسراف فى النفقات داخل مؤسساتها وهيئاتها واتباع سياسة التقشف حتى تعطى المثل والنموذج للمواطنين، بداية من سيارات الوزراء والاحتفالات والاستقبالات والمناسبات وبدلات السفر للخارج ومرتبات رؤساء الشركات القابضة والمستشارين.
الأمر الآخر البدء فى إجراءات إصلاح المنظومة الضريبية، فحتى الآن لم يتم حصر سوى أقل من %30 فقط من الممولين والدافعين للضرائب، بما يعنى أن هناك %70 خارج المجتمع الضريبى.
الحلول كثيرة والبدائل موجودة.. وربما تحتاج لمزيد من الوقت وربما أيضا طريقها صعب، لكنها هى الطريق الأمثل والأصوب بعيدا عن «الاستسهال» الحكومى.