ما هى القيمة التى نحصل عليها من الأساس؟
كان لافتا للنظر أن أطالع فى التقرير الذى أعدته الزميلة ياسمين سمرة فى «انفراد» حول أغرب 25 رقما فى الموازنة العامة للدولة أن أجد أن الدولة تحصل على حوالى 43 مليار جنيه ضرائب على التبغ ومشتقاته، وفى ذات الوقت فإنى رأيت أن الرقم المخصص لإحدى أهم الوزارات فى مصر وهى وزارة الصحة حوالى 42.2 مليار جنيه، فقلت متندرا إنه على الدولة أن تشكر المدخنين على ما يقومون به من تدعيم كبير للموازنة العامة للدولة، وحينما بدأت المناقشات حول قانون القيمة المضافة الذى أورد أن هناك زيادة أخرى فى الضرائب على السلع ومنها التبغ ومشتقاته، قلت إن الدولة جربت فى البداية أن يقوم المدخنون بالإنفاق على وزارة الصحة وحينما نجحت التجربة أرادت تعميمها على كل الوزارات.
شر البلية ما يضحك فعلا، ففى كل يوم نسمع عن ضرائب جديدة أو رسوم جديدة، أو حزمة جديدة من القرارات التى تستهدف نزع الدعم عن بعض السلع المدعومة، فى حين أننا لم نسمع أبدا عن زيادة جديدة فى الرواتب أو غطاء تأمينى شامل لكل المصريين أو خدمات محترمة تقدمها الدولة لمواطنيها أو تحسن فى مرافق الدولة وخدماتها، ولم نسمع أيضا عن أى أنباء حول «الضريبة التصاعدية» التى من المفترض أن تطبق على الأغنياء، أو عن تحريك الحد الأدنى للأجور الذى أصبح خلال السنوات الماضية حدا أقصى للحياة.
هنا، وفى هذا المكان، رحبت بكل سرور بالضرائب على السلع الترفيهية التى يسميها البعض «استفزازية» وقلت إن الدولة غير مضطرة أن تنفق مليارات الجنيهات على «الكاجو وأكل الكلاب المستورد»، بل هاجمت من هاجم هذه القرارات واتهمتهم بعدم الإخلاص للقاعدة الكبرى فى مصر، لكن حينما يصل جنون الضرائب على كل شىء وأى شىء إلى هذا الحد فلابد لنا أن نتساءل عن الفلسفة التى تتبعها الدولة، وأن نتساءل أيضا عن معانٍ غابت فى ظل توفيق الدولة أوضاعها الاقتصادية، ومن أبرزها معانى العدالة والمساواة.
أعرف أن الدولة تعيش فى أزمة اقتصادية طاحنة، وأعرف أن موارد الدولة محدودة، لكنى أيضا أعرف أن الناس طفح بها الكيل، وأن مستويات السخط الشعبى فى ارتفاع دائم، وأن غالبية المواطنين يشعرون بأنهم مستضعفون فى الأرض، وأن خيار الهجرة أصبح الخيار الأول لكل من يمتلك مقومات الهجرة.
مع هذا ربما كان من المقبول أن تفرض الدولة رسوما أو ضرائب أو جمارك أو أى شكل من أشكال الجباية على المواطنين بالشكل الذى تراه عادلا بشرط واحد ووحيد هو أن تقدم الدولة فى المقابل خدمات حقيقية تناسب أقل الحقوق الآدمية، فنرى مواصلات عامة محترمة وشوارع نظيفة ومستشفيات تعالج المرضى، ومدارس تعلم الأطفال، لكن أن تفرض الدولة كل هذه الأعباء على المواطن ثم يجد نفسه مضطرا إلى القيام بدور الدولة مرة ثانية ليحصل على الحد الأدنى من الحياة، فهذا ما لا يطاق.