ذهبت إلى المغرب وفى مخيلتى انطباعات عديدة يختلط فيها السحر بأشياء أخرى عديدة.. لكن بمجرد وصولى تغيّر كل شىء، النهضة الحديثة التى يقودها ملك البلاد.. الهدوء والنظام وفن التعامل والاستقبال.. بعدها تلاشت رويدًا رويدًا تلك الانطباعات ليحل مكانها إحساس بمحبة جارفة لهذا البلد، مزيج من المشاعر يولدها عبق المكان، يسحرك ذاك التصالح بين الناس وبيئتهم.. إلى جانب خصوصياتهم وانطباعاتهم.. حتى أكلاتهم المتميزة بمذاقها الخاص.
فمن يقول إن فيها سحر وسحرة.. صادق، لأن المغرب فعلاً ساحرة ولكن سحرها بجمالها ومناخها وأهلها.. ساحرة بجمال نسائها.. وأصالة وشهامة رجالها الطيبين الكرماء الذين استقبلونا بكل ود وترحاب.
ومن الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية إلى طنجة السياحية والرباط الأبية، بلاد تمتزج فيها الأصالة العربية بامتدادها الإفريقى، بتطلعاتها نحو الحداثة الأوروبية، ولقد تمازج كل هذا فى مهرجان (كازا آرت) وكان له سحر خاص اتسم بطابع مغربى وحضور ملأ المكان بالبهجة والسحر والجمال والتنوع والأصالة.
طنجة هى الأقرب إلى بوابات القارة السوداء وأوروبا.. طنجة فيها يمتزج البحران المتوسط بالأطلسى.. طنجة التى تتميز بالشواطئ وجلسات الشاى المغربى المثقل بحلاوة السكر والنعناع.
ومن طنجة إلى الرباط العاصمة الإدارية للمغرب كانت محطتى الثالثة.. شوارع نظيفة واسعة تزينها أشجار النخيل الباسق، ومنها انتقلت إلى المدينة القديمة التى يفضى إليها شارع الحسن الثانى، وضريح محمد الخامس.
وأخيرًا جاء وقت العودة من الرباط المدينة الهادئة إلى مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية أو "كازا" كما يحلو للمغاربة أن يسموها.. مدينة كبيرة وغضة تتميز بطرقها الواسعة ومساجدها العديدة وأبراج سكنية وفنادق فاخرة وأحياء شعبية عند الأطراف، ولعل أبرز ما يميز تلك المدينة مسجد الحسن الثانى الكبير، الأعجوبة الإسلامية العصرية المطلة على الأطلسى، مسجد يكتنز بين حنياه بلمحات عتيقة من روح المغرب على امتداد العصور، وقد طبعت مئذنته الشاهقة الموشاة بفيروزية الزخارف بطابعه إلى جنب الكورنيش ومطاعم المأكولات البحرية والمقاهى العصرية.
وهنا أعود لأقول المغرب فعلاً ساحرة برباطها.. ودارها البيضاء وطنجة الخضراء وجبالها ورمالها التى تكسو الصحراء.
المغرب ساحرة بأمنها وأمانها.. وأصولها.. وصحرائها.. والنموذج المغربى المنفرد فى توازنه بين الصحراء والبحر، وتصالح الناس مع الجغرافيا، فى خليط تتناغم فيه الأصوات والألوان والروائح، فللجغرافيا معانيها ومراميها.. هكذا هو المغرب الذى يختال على شاطئ المحيط الأطلسى العارم وتخوم جبال الأطلس الخضراء الوعرة وساحل المتوسط.
هكذا هو المغرب الذى يسحرك أهله بطيب الاستقبال لا بالشعوذة والجان.. فالصورة التى عايشتها ورأيتها على مدى أسبوع تكفى لتغيير الصورة التى كنت أتوقعها ويتوقعها غيرى.
هنا الرباط الأبية.. والدار البيضاء المليئة بالقلوب البيضاء.. هنا البحر والصفاء والطهارة والنقاء.
فعلاً أنها ساحرة..