وسط الأزمات الصعبة والأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في العديد من دول المنطقة يأتي الخبر السار بإعلان مصر وتركيا رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء، في خطوة مهمة لعودة العلاقات الطبيعية بين أكبر قوتين في المنطقة.
أنقرة أعلنت تعيين صالح موتلو شن سفيرا لها في مصر، والقاهرة عينت عمرو الحمامي سفيرا لها في تركيا.
العودة إلى العلاقات الطبيعية بين البلدين الصديقين جاءت بعد تبريد حدة التوترات بين القاهرة وأنقرة طوال السنوات العشر الماضية، وتغليب لغة العقل والمصالح المشتركة بين الجانبين، وبأن السياسة والعلاقات بين الدول لا تحكمها فقط الصداقات أو العداوات الدائمة وإنما المصالح المشتركة الدائمة.
من هنا وخلال السنوات الثلاثة الماضية تبادل الجانبان رسائل دبلوماسية معلنة وغير معلنة، كانت فحواها بأن استمرار التوتر في العلاقات ليس في مصلحة أحد، ويضر بالمصالح الوطنية لكلا الجانبين في المنطقة، في ظل تشابك العديد من الملفات وتماسها بين القاهرة وأنقرة في شرق المتوسط وفي ليبيا وسوريا وفلسطين ومنطقة الخليج، علاوة على ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين والمرشح بعد التقارب وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى النمو وزيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري المشترك.
رسائل عدة تلقتها القاهرة وأنقرة ساهمت في تخفيف التوتر الذي استمر خلال العقد الماضي وأسفرت عن لقاءات جمعت وزيري خارجية البلدين، وسبقها اللقاء الودي الشهير بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجيب طيب أردوغان في نوفمبر الماضي، على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، وبحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد.
وخلال اتصال تليفوني في مايو الماضي اتفق الرئيسان على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي، والبدء في اتخاذ خطوات إيجابية لعودة العلاقات الدبلوماسية، وتأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، وعزمهما المشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي.
واتفق الرئيس السيسي والرئيس أردوغان على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون بين الجانبين، وقررا البدء الفوري في رفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، في أنقرة في أبريل الماضي، قال وزير الخارجية سامح شكري: "اتفقنا على إطار زمني محدد بشأن الارتقاء بمستوى العلاقات الدبلوماسية والتحضير لقمة على مستوى رئيسي البلدين". والإشارة الى أن قمة مشتركة بين الرئيسين المصري والتركي يجري التحضير لها.
عودة العلاقات الدبلوماسية يتواكب مع مسارات التصالح والتقارب بين تركيا ودول المنطقة، وتأتي في سياق عام في المنطقة، حكمته المصالحة الخليجية بعد قمة العلا، وتطور العلاقات المصرية القطرية وعودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، والتقارب المصري الإيراني، وظروف الصراع الروسي الأوكراني.
ملفات كثيرة تنتظر خلال الفترة المقبلة تحريكها والوصول إلى حلول بشأنها مع العودة الحميدة بين البلدين وتحقق المصلحة المشتركة، ربما أهمها التفاوض المباشر من أجل التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية معها في شرق المتوسط الغني بالنفط. وإمكانية انضمام تركيا إلى "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تم إعلانه والتوقيع عليه بدون تركيا في عام 2019، وهو ما يمكن أن يكون مدخلا لحل الأزمات السياسية بين تركيا واليونان في ظل الحضور المصري الفاعل،
والملف الليبي الذي يرواح مكانه وينتظر الدعم والزخم من عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة، والتوصل إلى الحل السياسي بين كافة الأطراف والاتفاق على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار والالتزام بمبادئ حسن الجوار.
الملف السوري أيضا وتعقيداته ومحاولات الوصول إلى استعادة الدولة الوطنية السورية الاستقرار والاستقلال لكافة أراضيها.
مجمل الأمر أن هناك اتفاقا عاما على أن عودة العلاقات الدبلوماسية يصب في المصلحة الوطنية لكلا الجانبين ويحقق المصلحة المشتركة أيضا خاصة في الجانب الاقتصادي والتجاري، والتخلص من التكلفة العسكرية والاقتصادية للصراعات الدائرة في المنطقة، ثم والأهم والذي يأتي على رأس الأولوليات ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية، فتركيا في المرتبة الخامسة، من حيث الدول المصدرة لمصر، ، تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود قفزة كبيرة في العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا خلال عام 2022، وتكشف بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا لتصل إلى 7.7 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 6.7 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 14%.
وأشارت الإحصائيات إلى ارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى تركيا إلى 4 مليارات دولار خلال عام 2022، مقابل 3 مليارات دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 32.3%، في حين بلغت قيمة الواردات المصرية من تركيا 3.72 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 3.74 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة انخفاض قدرها 0.7%. وبلغت صادرات تركيا لمصر نحو 3.5 مليار دولار، مقابل 3.1 مليار دولار في 2020، كما بلغ حجم الصادرات غير البترولية المصرية في 2021، وفق تقارير حكومية، 32.3 مليار دولار، وحجم الصادرات البترولية 12.9 مليار دولار، كما تعتبر مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا، وحجم التجارة بين البلدين، تجاوز 6 مليارات دولار، في 2021، ولعل هذه الأرقام توضح أسباب استمرار التعاون التجاري بين البلدين.
العلاقات المصرية التركية عادت وبقوة على أرضية المصالحة وتصفير المشكلات.