كثرت الحوادث الطائفية وتكررت وتجذرت بشكل يمثل خطورة حقيقية على سلامة الوطن، حيث إن الورقة الطائفية والادعاء بحماية الأقليات الدينية هى الورقة القديمة الحديثة التى دائما ما يستغلها الاستعمار بكل صنوفه وبشتى أساليبه للتدخل فى شؤون الدول منذ الحملة الصليبية وحتى الآن.
وللأسف وعلى مر التاريخ نرى كثيرا من العملاء والمأجورين والمتعصبين وغير الفاهمين الذين لا علاقة لهم بالفكر السياسى ينضمون لجوقة المستعمر ويمهدون له الطريق ويعبدون له المسار، تصورًا، بقصد أو بغير قصد، أن حل مشاكل الأقباط المتداخلة والمتعمقة والمتراكمة طوال قرون سابقة يمكن أن تحل عن طريق هذا التدخل خاصة وقد أصبح الآن كثير من الأقباط فى المهجر ومنهم العدد القليل الذين استهواهم استغلال تلك المشاكل للشهرة والاسترزاق وإثبات الذات وادعاء البطولة الوهمية والمتخيلة.
نعم هناك مشاكل للأقباط..
نعم هناك اعتداءات جنائية ذات بعد وعمق طائفى منذ مئات السنين تزيد وتقل حسب المعطيات السياسية، والأهم حسب الشحن الطائفى ودرجة الفرز الطائفى ونوعية الخطاب الطائفى تجاة الآخر الدينى قبولا أو رفضاً، ودليل ذلك كانت هذه الحوادث قبل ما يعرف بالدساتير عندما كان القانون هو قانون الأغلب والأكثر والأقوى.
وظلت هذه الحوادث أيضا، بل زادت، بعدما وجد الدستور وبعدما أصبح القانون هو الحاكم والفيصل بين الجميع، بل بعدما يتردد عن حقوق الإنسان وحقوق المواطن، فما هى المشكلة إذن؟ اعتدنا دائما على أن نردد كلمات وعبارات وشعارات ترديد ببغائى دون إدراك ودون فحص مادام ترديد تلك الشعارات إعلاميا.
ولذا نرى وبعد تصاعد وتعدد الحوادث فى المنيا وغيرها من المحافظات بشكل غير طبيعى ومستفز للجميع، الجميع يردد وجوب تطبيق القانون خاصة بعد كلام السيسى الأسبوع الماضى فى هذا الإطار، فهل تطبيق القانون فقط هو الإشكالية التى بعدها نقضى على هذه المشاكل؟
من الطبيعى ومن طبيعة الأشياء أن يطبق القانون تجاة أى مخالفة أيا كانت درجتها أو كان مقترفها. فلماذا لا يطبق القانون فى هذه الحوادث؟ لأنها ليست حوادث يومية حياتية بين مصرى ومصرى ولكنها طائفية ومقصودة حسب الفرز الدينى بين مسلم ومسيحى، أى لها تراكم جمعى لدى الطرفين، أى لها خلفية دينية وعقدية وأيديولوجية وفكرية، وبالطبع كل هذه المغزيات لن تكون بالضرورة صحيحة، بل هى خاطئة ولا تمت لصحيح الدين بصلة ولا بأى قيمة إنسانية وأخلاقية، ولكنها الفهم الخاطئ والاجتهاد المتجاوز والمتمسك بتراث كان صالحا لزمانه ولا علاقة له الآن بالواقع ولا يمت بصلة لفقه الواقع تماما، فما بالنا بوجود هذا الفكر المتجذر فى المنيا تحديدا وقد رأينا ما حدث بعد فض رابعة من حرق كنائس وأملاك للأقباط بصورة غير مسبوقة؟
فهؤلاء يمارسون الفعل نتيجة لقناعة دينية خاطئة متصورين أنهم يقدمون أجل خدمة للإسلام وأنهم بهذا سينالون الجنة، فهل القانون وحده يصلح مع هذا الفكر؟ بالتأكيد لابد من تطبيق القانون فوراً بحسم وحزم وبلا تردد، ولكن القانون وحده لا يكفى، فالأهم هو القضاء على هذا المناخ وتلك المعطيات التى تفرز تلك الممارسات، فمع القانون لابد من الارادة الحقيقية لتفعيل دور التعليم والإعلام ودور الكنيسة بألا تكون بديلاً للدولة فى كل مناحى الحياة فأحدثت العزلة التى ساهمت فى المناخ الطائفى، ودور الأزهر الذى يجب أن يتحول من النظرى إلى العملى، ودور الثقافة والأحزاب والعمل الأهلى.
الأهم هو البداية الصحيحة التى تحدث تراكما يقضى على الطائفية عن طريق المعايشة والتعايش والتوافق وكسر القولبة وممارسات الأعمال المشتركة ثقافيا واجتماعيا، وأين دور بيت العائلة قبل الحوادث لا بعدها؟! وهل هذا البيت يقوم بالفعل بدوره أم هى منظرة وكارنيه؟! مصر فى خطر فلا تستهينوا بالأمر، القانون والإرادة بالعمل الفعلى وتصحيح الأفكار، والعمل المشترك هو البداية الصحيحة حتى تكون مصر بالفعل وطنا للجميع.