هذا هو الهزل بعينه، وفى الحقيقة، فإننى لا أعرف على أية شرعية تستند قرارات وزير الأوقاف «مختار جمعة» ولصالح من يعمل؟ وفى الحقيقة أيضا، فأنا لا أعرف ما هو المنبع الفكرى الذى يستقى منه وزير الأوقاف اعتقاداته وقراراته؟ وليس أدل على هذا الهزل من قرار الوزارة بفرض الخطبة المكتوبة على الأئمة والوعاظ فى المساجد، وهو القرار الذى عارضه الأزهر الشريف والسلفيون والمثقفون، لا لشىء إلا لأنه يجفف منابع الفكر، ويحرم المتميزين من تميزهم ويزيد البلداء بلادة، ومع هذا يعتقد السيد وزير الأوقاف أنه هو الوحيد الذى يعرف، بينما الباقى جهلاء، ويرفض رفضا تاما إلغاء هذا القرار بحجة محاربة التطرف، وهى الفزاعة التى يستغلها الجميع الآن، فأى قرار تعسفى يدعى مصدره أن الغرض منه محاربة التطرف، وأى قرار فشل إدارى يدعى الفاشلون أنه بسبب التطرف، فإلى متى سيظل التطرف ومحاربته فزاعة لكل جاهل، وشماعة لكل فاشل؟
لو قلنا إن السلفيين متطرفون، وأنهم يريدون التنصل من الخطبة المكتوبة لأنها تحجم تطرفهم، فهل شيخ الأزهر الشريف الإمام أحمد الطيب وجميع أعضاء مجلس كبار العلماء، الذين رفضوا تلك الخطبة المشوهة أيضا، متطرفون؟ وهل المثقفون الذين يتهمهم بعض السلفين والأزهريين بأنهم «مستغربين» وأنهم يتساهلون فى أمور الدين أيضا متطرفون؟ ويأتى السؤال: هل القرار الذى رفضه أقصى اليمين وأقصى اليسار وجميع الوسطيين قرارا صحيحا؟
لا يوجد تفسير لدى لتمسك «مختار جمعة» وزير الأوقاف بهذا القرار سوى أنه يريد أن يوارى سوءة وعاظ الوزارة من مفتقدى الروح العلمية والمقصرين فى تدعيم خبراتهم البحثية، لكن حتى وإن كان هذا السبب فلا يجوز لنا أن نوافقه لأننا بهذا القرار لا نعالج المشكلة، وإنما نتواطأ عليها، فالتغطية على الجروح لا تعالجها وإنما تزيد من تفاقمها وتضاعف من تقيحاتها، كما أن إخفاء الجثث لا يحول دون انتشار رائحة العفن.
يتجاهل «مختار جمعة» أزمة المستوى الثقافى المتدنى للوعاظ والأئمة ولا يريد أن يدخل معركة حقيقية من أجل تنمية الوعى وتدريب الكوادر البشرية، وإصلاح منظومة التعيين والتقييم، مستسهلا اتخاذ القرارات التى يصر عليها مستخدما سلطته التنفيذية كوزير فحسب، دون وجود أدنى قاعدة علمية أو فكرية أو حتى بشرية لقراراته، وفى الحقيقة فإن آثار هذا القرار لا تعود بالسلب على محيط المساجد فى مصر فحسب، وإنما ستعود بالسلب على المجتمع كله، لأنه تسيد ثقافة الحفظ وتدعم فيروسات الكسل فى العقول حتى نصحو فى يوم لنرى أن المجتمع كله أصيب بالسكتة الدماغية، وأننا تحولنا إلى قوالب جامدة لا تعرف ولا تفهم ولا تتدبر، وهو ما لا يمكن أن نسمح بحدوثه.