بين الحديث عن إجراءات مثل إغلاق شركات صرافة، واللجوء إلى صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار، يتواصل الجدل حول سبل وقف تدهور قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار.
تأتى بعثة الصندوق إلى مصر لتقييم الاقتصاد المصرى وبرنامج الإصلاح، وهذا أسوأ ما يمكن معرفته فى هذا الجانب، وليس خافيا على أحد أن للصندوق شروطه التى يفرضها على أى دولة تلجأ إليه للاقتراض، والدولة التى تقبل هذه الشروط هى التى تحصل على القرض، وتبقى المشكلة فى نوعية هذه الشروط التى يدفع الفقراء عادة فاتورتها، ويكفى أن نتوقع الحال الذى ينتظرنا بنظرة واحدة إلى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء قبل أيام، والذى كشف أن 27 % من سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، التى تشمل المأكل والملبس، وأن 11 مليونا و 800 ألف ينفقون أقل من 333 جنيها شهريا، وأن 28 % تقريبا من أرباب الأسر لا يعملون، ونحو 18 % من الأسر تنفق عليها سيدات.
تقودنا هذه الأرقام إلى تصور الأوضاع الراهنة فى حال فرض الصندوق لشروطه حتى يوافق على منحنا القرض، فإذا كان هناك 27 % من سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، فكم تبلغ هذه النسبة مستقبلا؟ كما تعطى هذه الأرقام دلالات اجتماعية واقتصادية خطيرة، أهمها أننا نجنى الآن ثمار سياسات فاشلة، تواصلت طوال السنوات الماضية، فحصاد اليوم هو مما فعلته بنا حكومات الأمس، الحكومات التى رفعت شعار البيع فى كل شىء باسم الخصخصة، دون أن يتم تشييد صروح إنتاجية حقيقية، ويمكننا فى ذلك أن نعد مئات المصانع والشركات التى راحت ضحية الفساد واللصوصية، ومجمل هذا المسار هو الذى أوصلنا إلى ما نحن فيه من أزمات.
ومن جديد، وكما قلنا فى مرات سابقة، فإن انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار ليست مسألة فنية، وليست فى جوهرها نتيجة مضاربات فى السوق السوداء، وليست فى انحرافات الصرافات، وإنما القصة الحقيقية تكمن فى قدرتنا على الإنتاج، فطالما بقينا خارج هذا المجال سيبقى اقتصادنا ضعيفا، والاقتصاد الضعيف يؤدى إلى عملة ضعيفة وإلى فقر أكثر، وإلى الارتماء فى أحضان صندوق النقد الدولى وغيره.