"أرسل إلينا الدكتور عبد المنعم فؤاد، عميد كلية العلوم الإسلامية للطلبة الوافدين بجامعة الأزهر، مقالاً يفهم منه أنه يرد على مقال الزميل مدحت صفوت الذى نشر الأربعاء الماضى تحت عنوان "دعوة للتفكير.. هل يكون الزواج المدنى خطوة لدعم السلم الاجتماعى وإنهاء التعصب؟" وإلى نص المقال
يبدو أن الحملة على ديننا ووطننا لن تتوقف طالما أن الجميع هامدة أفكارهم، فمن القميء الذى أقر بلسانه -أنه كافر بالإسلام- لمّا لم يجد عالمًا أزهريًا يقبل بتكفيره طالما يقول -لا إله إلا الله- وإن اختلف فكريا: فبادر هو وقالها بنفسه كما رأينا فى اليوتيوب وأعتقد أنه غير صادق فى ذلك بل وأتمنى ألا يصدقه أحد فى هذا، والغريب أنه لو كفره واحد بسبب ما يقول من كلمات وأفكار جريئة لصرخ هو وقال: كفرونى المكفرتية -سبحان الله- ثم نرى أيضًا فى انفراد -الموقرة- هذا الأسبوع وبتاريخ 27- 7- 2016 م مقالاً عجيبًا لا ندرى ما صفة كاتبه العلمية، أو الدينية إذ أرى أن سطور المقال قد ثير إشعال الفتنة أكثر، وأكثر فى مصر المحروسة، وفى وقت يحاول كل مخلص فى الوطن أن يطفئ هذه النار المفتعلة باسم الدين فى بلادنا بين أبناء الوطن الواحد، ويحاول الأزهر، والكنيسة والدولة بكاملها إخمادها والضرب على أيادى مفتعليها بيد من حديد لاستقرار البلاد، ونشر ثقافة الأخوة والتعاون بين الجميع تحت مظلة حب الوطن. أقول:
بالرغم من ذلك نرى هذا المقال فى انفراد يتحدث عن زواج المسيحى من المسلمة، ويعترض كاتبه من وجهة نظره على الكنيسة والأزهر، بل والإسلام بأكمله، ويتهم المسلمين بالرجعية إذا لم يقبلوا بزواج بناتهم ممن يخالفونهم فى الدين وواجب عليهم كما يحكم الكاتب المفتى أن يتخلوا عن قواعدهم الشرعية التى عملوا بها من وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ويدعى أنه لا أدلة فى القرآن والسنة تمنع زواج غير المسلم من المسلمة، ويقارع الإمام الشافعى ويحكم على تفسيره لآيات القرآن الكريم التى توضح الآمر فى هذه المسائل الخطيرة، ويقول إن الشافعى يناقض نفسه ولا أدرى ما هو حجم علم الكاتب المحترم بجوار علم الإمام الشافعى؟ وما مؤلفاته المستنيرة التى نهتدى بها ونترك علم الشافعى، وهل كل من أمسك قلمًا صار مفتيًا فى كل شئون الحياة الدينية والدنيوية؟ ولماذا يقبل البعض على توريط أنفسهم فى قضايا سهر على تعلمها العلماء وواصلوا الليل والنهار فى طلبها، وشهدت الأمة بورعهم، وعلمهم ومقامهم، ولم يتركوا لأولادهم قصورًا فى أوروبا، ولا شاليهات على شواطئ البحار، ولا دولارات فى سويسرا إنما تركوا العلم النافع، والسيرة العطرة بشهادة التاريخ؟ ثم يأتى كاتب قارئ فقط لا متخصص ولا دارس ليناطح العلماء فى أخطر قضايا دينية واجتماعية وأسرية، ويقول عن إمام كـ الشافعى إنه يناقض نفسه، ولا يفهم تفسير الآيات ولا مقاصدها؟! ثم يتطوع من نفسه فيفتى بقلمه للمسيحيين والمسلمين على حد سواء فى مسائل الزواج، معتبرًا أن الزواج لا علاقة له بأى شريعة سماوية، بل يطالب بإصدار قانون يقرر أن الزواج مدنى، ولا علاقة له بالدين، وكل من يريد أن يتزوج -على ضوء هذه الرؤية لا يصح أن يسأله أحد عن دينه، والشريعة التى يتبعها سواء أكان بوذيا، أو هندوسيا أو مسيحيا أو مسلما أو عابد الفأر مثلا-، ونسى الكاتب: أن الزواج فى الإسلام ليس هو كما فى أوروبا بل هو يأخذ وصف الميثاق الغليظ، ولم يأت لفظ الميثاق الغليظ فى القرآن إلا فى موضعين أولهما: مع الأنبياء "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا" الأحزاب" وفى الزواج: قال تعالى "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" فوصف عقد النكاح بالغليظ هو عين الوصف الذى وصف الله به الميثاق الذى أخذه من النبيين فهو ليس مدنيا يقننه البشر مهما كانت عبقريتهم، وارتفاع ثقافتهم بل هو الميثاق الغليظ بكل ما تعنى الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به، وإذا كان الكاتب غفل عن ذلك فهذا شأنه، لكن من غير اللائق أن يحاول فرضه على المجتمع وتحريض الدولة على تقنينه وتطبيقه بقوة مع أن الجميع دائمًا أبدًا يصطرخون بنداء حرية الفكر، ولكن ليس كل فكر يقبلونه، بل على ما يبدو فكرهم هم فقط، أما غيرهم فلابد أن يصادر فكره -إن أمكن- لذا لعب صاحب هذا القلم على وتر الطائفية -حسب ظنى- بل وفى أخطر نقطة تتعلق بها وهى الزواج- مدعيا أن الإسلام ليس به آيات أو سنة تمنع زواج المسيحى من المسلم، وغيره، وعلى كل حال فالذى لا يرى من الغربال أعمى، والجميع والحمد الله يرون الأدلة والنصوص، والمسلمون يعلمون حقيقة شرعهم، والمسيحيون لا يغفلون عن دينهم، ويتفهمون ما يريده المفترون من فتن، ومعارك لا قيمة لها، وهذا الهطل الصحفى الذى يُقدم يوميًا عن ثوابت فى ديننا، وشرعنا لبلبلة الأفكار، وهز الثقة فيما استقر عليه المجتمع، والأمة لا يحتاج إلى كثير جواب.. فالجواب معروف، ومستقر فى الأذهان لدى الجميع.. والأهم أن يعى الجميع أن البلاد فى غير حاجة لهذه الإثارة المفتعلة التى لا يليق أن تُنشر على العامة، فالأمية الدينية مستقرة لدى الأكثرية، وشبابنا للأسف ليس لديه وسائل دفاع قوية دينية وثقافية بسبب غياب مواد التربية الثقافية والدينية والوطنية من المناهج التعليمية، لذا يمكن أن تُبلبل أفكار البعض منهم، ونرى غدًا من يحاول تطبيق ما كتب فى المقال عمليًا، ويتزوج غير المسلم من مسلمة، أو مسلمة تُقبل على زواج شاب من غير ديانتها فتشتعل حينئذ نار الفتنة أكثر وأكثر بدون داع.. لذا وجب التنبيه والتحذير من هذه الأقلام وأمثالها.. والله المستعان.
•عميد كلية العلوم الإسلامية للطلبة الوافدين بجامعة الأزهر.