«على سيد أحمد» ليس رجلا شهيرا فى مجاله، لا يظهر على قنوات التليفزيون، وليس من النشطاء السياسيين ولا من رواد مواقع التواصل الاجتماعى، لا ينشر بوستات ساخنة ولا يغرد على تويتر معلنا غضبه من هذا المسؤول أو ذاك.
عم «على» هو عامل بهيئة السكك الحديدية، لا يملك إلا مرتبه، ويسعى وراء رزقه وهو يفكر فى الحصول على السلع المدعمة، لأنه يعانى، مثل ملايين المصريين، من ضغوط الأسعار وتكاليف الحياة، كما يكدح طوال ستة أيام فى الأسبوع ليرعى أسرته الصغيرة، راجيًا من الله الستر والصحة لا أكثر ولا أقل.
عم على عندما كان فى ورديته أمس بقطار أسيوط، عندما عثر على شنطة بلاستيكية تحتوى على كيلو ونصف من المشغولات الذهبية، ورغم حاجته الشديدة للمال، ورغم أن الفرصة كانت مواتية لأن يحصل على المشغولات الذهبية، التى تساوى نحو سبعمائة وخمسين ألف جنيه، ثروة حقيقية لرجل لا يملك إلا مرتب عامل خدمات فى السكة الحديد، إلا أن عم على رفض أن يحصل على المال الحرام، وقرر بدون أن يتردد إبلاغ المسؤولين عن القطار وتسليم المشغولات الذهبية للأمن حتى يظهر صاحبها ويبلغ عن فقدانها.
لم ينتظر عم على المكافأة، ولم يهتم بأن يعرف ماذا يمكن أن تشترى له هذه الثروة، ولم يفرح كثيرا بالاطراء والتبجيل، الذى حصل عليه من رؤسائه باعتباره الموظف الأمين، فالرجل كان يفكر فى شىء آخر تماما، الحلال والحرام، فى ما يصح ومالا يصح، وكيف يربى أبناءه من عرق جبينه ومن مال حلال تماما لا يداخله أى قرش حرام حتى يبارك الله فى جهد السنين.
عم على، يؤكد بما لا يدع مجالا لشك أن الخير مازال فى هذا البلد، وأنه وأمثاله هم من يحفظون مصر من الضياع والسقوط، نعم هو وأمثاله من حاملى القيم العازفين عن الحرام الباحثين عن حقوقهم بما يرضى الله فقط، هؤلاء هم بناة البلد وحماتها وحفظتها فى الشدائد، هم من ينيرون طريقها عندما تتراكم الظلمات وتغيب الضمائر ويتناسى الناس أنفسهم والغاية من وجودهم.
تعظيم سلام لـ«عم على».. الكلمات، أى كلمات لا يمكن أن تعبر عن المبادئ والقيم التى تمثلها.