موجة ارتفاع الأسعار لا تقتصر على مصر فقط، إنما تشمل العالم كله، بسبب الأوضاع والأزمات الاقتصادية التى ألمت بالجميع، فمن سافر خارج مصر الأشهر الماضية سيقف على ارتفاع أسعار السلع، خاصة المأكولات والملابس، لكن الفارق بيننا وبينهم شىء واحد مهم، هو وجود رقابة شديدة على الأسواق تمنع التلاعب فى نوع السلع المقدمة وجودتها، بالإضافة إلى ضبط السعر بحيث لا يتجاوز المعلن عنه. فى مصر نفتقد هذه الآليات التى تكفل تقديم السلع بالجودة المطلوبة، وبالسعر المناسب أيضًا، وبشكل يرضى المستهلك، حتى وإن كان سعرها أعلى من المتوقع، فعلى سبيل المثال نرى بائعين يضعون لافتة أسعار تختلف عن السعر الذى يبيعون به فى الحقيقة، وإذا سألتهم عن السعر الموجود فى اللافتة سيكون ردهم أن هذا السعر للتموين فقط، أى إجراء شكلى للهروب من المساءلة القانونية، بينما السعر الحقيقى يحددونه هم، وحكى لى أحد الأصدقاء أنه ذهب لشراء «فراخ» فوجد اللافتة مكتوبًا عليها أن سعر الكيلو 21 جنيهًا، وحينما اشترى وجد التاجر يقول له إن السعر الحقيقى للكيلو هو 27 جنيهًا!
هذه الواقعة متكررة كثيرًا فى الأسواق، وهو ما تسبب فى حالة من الغضب الشديد بين المواطنين، لأنهم يجدون أنفسهم تحت رحمة التجار والبائعين دون أن يجدوا من يحميهم من بطشهم وجشعهم، لأنه فى النهاية رجال التموين عندنا لا يهمهم سوى الشكل، والشكل عند التجار «مضبوط وتمام»، فاللافتة مكتوب عليها السعر، ولا يهمهم السعر الحقيقى الذى تباع به السلع.
قصة أخرى سمعتها منذ أسبوع تقريبًا من شاب يعمل فى إحدى الشركات التى تتولى توزيع الأدوات المدرسية، فالشركة حينما طلبت من شركة منتجة لهذه الأدوات الكمية المتفق عليها لتوزيعها فى محافظات الصعيد، استعدادًا للموسم الدراسى الجديد، لكنهم فوجئوا بأن الشركة ترفض تسليمهم الكمية المتفق عليها، وطلبت منهم الانتظار أسبوعًا أو اثنين، على أمل أن يعاود الدولار ارتفاعه مرة أخرى، فترتفع أسعار الأدوات المدرسية، والغريب أن الشركة انتهت من تصنيع الكميات المطلوبة، لكن وضعتها فى المخازن أملًا فى تحقيق أرباح «خيالية» بعد أن يرتفع سعر الدولار مرة أخرى. أمثلة كثيرة جدًا من السهل أن تراها أمام عينيك كل يوم أو تستمتع لها من أقارب لك، ويبقى المشترك بينهم أن هناك حلقة مفقودة مازلنا نبحث عنها، وهذه الحلقة ممثلة فى الأجهزة الرقابية التى فقدت دورها المهم فى ضبط الأسعار بالأسواق والشوارع، فعلى الرغم من وجود شركة للتموين، ومفتشين تابعين للتموين، والاثنان لديهما الضبطية القضائية، لكنهما غير قادرين حتى الآن على ضبط الأسواق، وهو ما يستدعى البحث عن آلية جديدة، إما بتطوير عمل هذه الأجهزة التى من المفترض أن يكون دورها أكثر نشاطًا مما هى عليه الآن، أو يكون هناك بديل يستطيع تحقيق الحماية والرقابة المطلوبة، بدلًا من هذه العشوائية التى تسيطر على السوق. لدىّ يقين بإدراك القيادة السياسية لهذه الأزمة، لذلك كان تكليفها للقوات المسلحة بطرح ما تحتاجه السوق من منتجات وسلع، وبأسعار مناسبة، فى محاولة جادة لضبط السوق، ووقف الارتفاعات الجنونية وغير المنطقية أيضًا للأسعار، وقد حققت هذه المبادرة جزءًا كبيرًا من المطلوب منها، لكن نحن بحاجة إلى آلية دائمة ومستمرة، للتحكم فى حركة البيع والشراء، بحيث يلتزم الجميع بتحقيق هامش ربح يتناسب مع تكلفة السلعة أو المنتج، فليس من المقبول أو المنطقى أن يسعى تجار لتحقيق ربح يتجاوز 100% من سعر السلعة أو المنتج، وهو بالتأكيد أمر يحتاج لتدخل سريع قبل أن تخنق الأسعار المصريين.